حسين شبكشي

الأحداث متلاحقة ويبدو أن عام 2016 يدخل بثقله علينا، وخصوصًا في ما يتعلق بالملف الاقتصادي العالمي، الذي له انعكاسات مؤثرة جدًا على مناطق العالم كلها من دون استثناء. الأسواق المالية تتداعى، تارة جراء انتكاسة حادة في أداء الاقتصاد الصيني المؤثر، وتارة أخرى نتاج استمرار هبوط أسعار سلعة النفط الحيوية إلى مستويات دنيا غير مسبوقة من قبل.. كل ذلك أدى إلى حدوث «حالة نفسية» عامة مخلوطة بالقلق والخوف من المجهول، وهي حالة طبيعية حدثت كثيرًا في الماضي في هذه النوعية من الأوضاع الاقتصادية الحادة.


شدة الموجة الصوتية تفسر علميًا بأنها الطاقة التي تحملها تلك الموجة في الثانية الواحدة تحديدًا. الشدة العادية والمعتمدة تقاس عند مستوى نحو 60 ديسيبل، وهي وحدة القياس المعتمدة لها، ولكن ابتداء من درجة 90 ديسيبل وصاعدًا تبدأ الموجة الصوتية في إحداث تأثيرات مضرة وهدمية، ولكن ليست بالضرورة أن تكون سلبية دائمًا، فمثلاً من الجائز أن تكون سلبية في حالة إصابة الأذن بالأذى بسبب ذلك، ولكنها قد تكون إيجابية أيضًا مثلما يحدث نتاج ذلك في حال تفتيت الحصوات في الجسم طبيًا. المهم هنا هو إدراك أن الطاقة التي يتم بثها في الموجة الصوتية هي التي تحدث الأثر (أيًا كان ذلك الأثر) وليس الصوت في حد ذاته، وبالتالي من الممكن جدًا قراءة الأحداث الاقتصادية المتلاحقة على أنها أشبه بالموجة الصوتية المقصودة، وهي في حالة تصاعدية مطردة، وتعامُل المتلقي مع هذه الموجة هو الذي سيحدد ما إذا كانت سلبية أو إيجابية.


المقصود هنا تحديدًا هو «استغلال» هذه الفرصة التي تبدو في ظاهرها أنها شديدة السلبية لإحداث تغييرات هيكلية جذرية في الاقتصاد، وترشيد الإنفاق بشكل غير مسبوق، وإطلاق حزمة جديدة تمامًا من السياسات والتشريعات والأنظمة والقوانين التي تجعل الأسواق مفتوحة وحرة ومنافسة بالمعنى الحقيقي والفعلي، وليس من باب الطرح الإعلامي والنظري فقط، لأن البديل سيكون «استسلامًا» للحالة والتعامل معها كردود فعل وليس أكثر. من المهم جدًا الانطلاق في فكرة الإصلاح الاقتصادي اعتمادا على مبدأ أن عصر النفط الاقتصادي انتهى وأن الوضع «الجديد» يقتضي تفكيرا جديدا لا يعتمد على ثقافة النفط ولا الأسلوب الذي كانت تدار به الأمور كنتيجة لذلك، لأن الاعتقاد أن هذه «الحالة» هي مسألة مؤقتة وأن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه من قبل سيجعل كل علاج هو بمثابة مخدر موضعي مؤقت سرعان ما ينتهي مفعوله وتعود المعضلة مجددا. في الشرق الأوسط الاقتصادي لا حديث إلا عن الغيم الأسود الذي يحيط بالمنطقة والنظرة السوداوية للقادم من الأيام. هي حقًا سنة التحديات، ولكن من رحم المصاعب تولد الفرص، وهي مقولة لو آمن بها البعض لاستفاد منها الكل.


المشهد العام بقدر ما هو مقلق اقتصاديًا (العوامل النفسية هي أخطر ما يهدد القرار الاقتصادي والاستثماري) إلا أن فرص الاستثمار والإصلاح وإعادة الهيكلة مواتية جدًا، خصوصًا في ظل الجاهزية الهائلة لدى الشارع للقبول بذلك، ولكن يبقى تحدي التوقيت بألا يكون هناك تأخير في ذلك مع التمكين الحقيقي للقرار أن يكون له الفعالية المطلوبة بدعمه بكوادر بشرية مؤهلة وجديدة وجديرة.
2016 ستكون سنة صعبة بكل المقاييس من الناحية الاقتصادية، ولكنها سنة فرص استثنائية للإصلاح إذا ما أحسن استغلالها.
&