سركيس نعوم&

أخطأ زعيم "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري عندما ظنّ أن ترشيحه نائب زغرتا سليمان فرنجيه لملء الشغور الرئاسي سيدفع زعيم فريقه "حزب الله" إلى تسهيل عقد جلسة مكتملة النصاب، وإلى تأمين الأصوات التي تجعله رئيساً للجمهورية. وأخطأ أيضاً عندما ظنّ أن التغطية الخارجية لمبادرته الرئاسيّة ستحدُّ من قدرة الناخب الرئاسي الإقليمي الكبير الثاني إيران على ممارسة الدور الذي سيمُارسه بالنيابة عنه "حزب الله". ذلك أنه تجاهل عمق الارتباط بين الفريقين أو اعتقد ربّما أن حرية حركة "الحزب" لبنانيّاً في التخطيط كما في التقرير ستكبر لتحريره لبنان من احتلال إسرائيلي. كما أنه تجاهل أن هذا "الحزب" لا يتأثّر بالصراعات والتحالفات عندما يتّخذ قراراً في قضيّة مهمّة لبنانياً وإقليمياً. وأخطأ ثالثاً عندما ظنّ أن البحث "المعمّق" مع فرنجيه ستُلزم نتائجه "الحزب"، وأن "الحربقة" التي مارس بها فرنجيه مفاتحة قياداته والرئيس السوري بشار الأسد بالمبادرة الرئاسيّة لن "تنقّز" الفريقين، وتدفعهما إلى إفشالها.

وأخطأ رابعاً عندما صدّق ما قاله له أصدقاء لفرنجيه عاملون خارج لبنان عن قدرته على إيصاله إلى قصر الرئاسة في بعبدا جرّاء علاقاته الخارجية المتنوّعة، وعن إيصاله رؤساء في دول للبنانيّين فيها مصالح كثيرة. وكَمَنَ الخطأ في اعتبار أن لبنان لا يختلف عن تلك الدول من حيث الفساد ومشتقّاته. وأظهر بذلك أنه لا يعرف تماماً تاريخ لبنان وتركيبته وارتباطه بالمنطقة وقضاياها وحروبها، وعجزه عن الانفصال عنها بسبب انقسامات شعبه الذي صار شعوباً متناحرة. والتشابه في الفساد وفي التصرفات بين لبنان وعدد من دول العالم الثالث لا يعني أن "تنصيب" حاكم له هو بسهولة اختيار حكام لها.

وأخطأ الحريري خامساً عندما اعتقد أن التأييد الدولي هو للشخصيّة التي اختارها للرئاسة في حين أنه كان لملء الشغور الرئاسي (المسيحي)، ولتلافي انزلاق لبنان إلى حرب أهلية. علماً أن المحادثات التي أجريت مع الشخصيّة (فرنجيه) عزّزت اقتناع من أجراها بأهمية ترشيحه فترئيسه، ربّما لأنّه كوّن انطباعاً عندهم أنه يمون على فريقه 8 آذار وزعيمه "حزب الله"، والحقيقة ليست كذلك.

وأخطأ أخيراً لأنّه لم يستشر حلفاءه في 14 آذار المسيحيّين والمسلمين لأنّه يعرف مواقفهم السلبية من فرنجيه، ولأّنه ظنّ أن التغطية أو التأييد السعودي – الأميركي – الفاتيكاني – الفرنسي سيجعلهم يرضخون لخياره الرئاسي.

أما الدكتور سمير جعجع، رئيس حزب "القوات اللبنانية" وأحد أبرز أركان فريق 14 آذار، فقد أخطأ بدوره عندما ظنّ أن ترشيح الحليف المسيحي الأبرز لـ"حزب الله" العماد ميشال عون سيضمن تأييده ونزوله إلى مجلس النواب بنوابه ونواب حلفائه و"الأصدقاء" من أجل تأمين النصاب وتالياً إيصاله إلى قصر بعبدا. وأخطأ أيضاً لأنّه لم يرَ حاجة إلى بحث معمّق بين مرشّحه و"الحزب" أو بينه هو و"الحزب" حول القضايا الخلافيّة بغية التوصّل إلى توافق لا يحلّ أزمة لبنان بل يؤمّن استمرار الاستقرار النسبي والهشّ فيه. إذ كان عليه أن يعرف أن "الحزب" مثله ليس ابن البارحة، وأنه يخوض صراعاً محليّاً وحرباً إقليميّة، وأن مصيره ومَنْ يمثّل كما مصير لبنان وكل شعوبه على المحكّ. وكان عليه أن يعرف ثانياً أن أيّ تساهل في أيّ قضية، فكيف إذا كانت مهمّة مثل ملء الشغور الرئاسي في لبنان، قد يكلّفه الكثير لاحقاً. وكان عليه أن لا يُمارس "التشاطر" بالقول إن الطابة صارت الآن في ملعب "حزب الله". وهو يخطئ أيضاً إذا ظنّ أنه يستطيع وعون خلق ثنائيّة مسيحيّة مماثلة للشيعيّة. فالثانية قائمة وخارجها شخصيات فقط لبعضها حيثيات غير مؤثّرة، وهي تحظى بتأييد شيعي كبير جداً ليس محبّة بـِ"أمل" أو بـ"الحزب"، بل لأن "الشعب" الشيعي يشعر بقلق على المصير جرّاء مذهبية الصراع في لبنان وسوريا والمنطقة وهي متصاعدة، والوحدة ضرورية في ظرف خطير كهذا. في حين أن الثنائية المسيحية لم تصبح كذلك بعد، ولا يزال خارجها حزب عريق هو الكتائب رغم ضعفه، وقطب عريق هو النائب فرنجيه، وسياسيّون مستقلّون يمثّلون أكثر ممّا يمثّل الخارجون عن الثنائيّة الشيعية.

هل يقتصر الخطأ على الحريري وجعجع؟ ألم يخطئ الكتائب وعون وفرنجيه؟ ألم تخطئ بكركي؟ وهل يُخطئ "حزب الله"؟ وفي أي ملعب إقليمي ومحلّي طابة الرئاسة الآن؟ ومتى ينتهي "الشغور الرئاسي"؟