يوسف الديني

يستغل تنظيم داعش الأجواء الإقليمية المتوترة لإعادة ترميم بنائه الداخلي عبر اللعب على الجيوسياسية التي يسعى إليها، حيث ينتقل من التمدد في مواقعه بالعراق والشام إلى محاولة إيجاد مواقع جديدة له في آسيا ومناطق التوتر في ليبيا والمغرب العربي.


التحذيرات تتوالى من قبل المسؤولين في ليبيا على حجم تمدد تنظيم داعش في بلادهم، مما يهدد أمن أوروبا بشكل مباشر، وهو ما بدا واضحًا في تصريح السفيرة الأميركية لدى ليبيا ديبورا جونز، الذي تساءلت فيه عما إذا كانت «ليبيا المنقسمة» تستطيع أن تصمد أمام «داعش».


اهتمام تنظيم داعش باستغلال الانقسام الليبي كان واضحًا من حجم التداول الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي لأعضاء التنظيم بعد أن أعلن «مجلس شورى شباب الإسلام» في مدينة درنة مبايعته لتنظيم داعش، بينما قابل هذا التحرك أبو بكر البغدادي الخليفة المزعوم بانضمام «أقاليم» برقة وطرابلس وفزان الليبية إلى «الخلافة» التي ينتحلها.


يتمدد تنظيم داعش في ليبيا على رقعة مناطق مهمة مثل بنغازي وسرت وطرابلس وأجزاء من جنوب ليبيا، ويمارس أنشطته المعتادة في ترسيخ مفهوم دولته المزعومة والسلطة عبر ممارسات الحسبة والدعوة وإقامة الحدود وتحشيد المقاتلين من أهالي المناطق التي ينشط فيها، وفي حال وجود جماعات مسلحة أخرى منافسة يعمد تنظيم داعش إلى التحالف مع تلك القوى كما هو الحال في علاقته مع «أنصار الشريعة» في ليبيا.


اللافت في الأمر أن انقسامات التنظيمات المسلحة في العراق والشام، وعلى رأسها مثلث «النصرة» و«القاعدة» و«داعش»، تكاد تضمحل في الحالة الليبية، فتنظيم أنصار الشريعة المحلي يأتي أولاً في التغلغل، يليه تنظيم القاعدة الذي يخسر مواقعه بسبب الانشقاقات التي يحدثها تفوق تنظيم داعش وعلو كعبه في سجل العمليات الإرهابية خلال السنوات الماضية، وهو ما يعكسه بيان أحد رموز التحالف الجديد مع «داعش» البرقاوي، الذي عنونه بـ«لا لتنظيم القاعدة في ظل تنظيم الدولة»، مخاطبًا أنصار الشريعة عن التأخر في مبايعة البغدادي والمبادرة إلى الانضمام إلى «داعش» كما فعل «مجلس شورى شباب الإسلام».


يتخذ تنظيم داعش في ليبيا استراتيجية جديدة لتمرير آيديولوجيته العسكرية، فهو يعد مقاتليه وأنصاره إلى إزالة كل الحدود بين دول المغرب العربي، إضافة إلى مصر، في إشارة إلى ما فعله التنظيم بحدود العراق وسوريا والمناطق المتاخمة لهما، داعيًا إلى إقامة تحالف عريض يجمع بين أجزاء التنظيم وصولاً إلى تنظيم «أنصار بيت المقدس» التي تعلن سيناء مقرًا لها.


والحال أن انشغال القوى الدولية بمحاربة تنظيم داعش في مناطقه الأساسية والذي لا يحرز تقدمًا يذكر حتى الآن من شأنه تغييب حالة الهجرة الأولى التي يشرع فيها التنظيم عبر إيجاد مواقع جديدة له بعيدة عن مناطق الصراع في شرق آسيا، أو الدخول في أتون النزاع الأهلي الذي تعيشه ليبيا والاضطرابات المرشحة في تونس في حال اشتعال الحالة السياسية هناك كما تنذر الأحداث التي شهدتها تونس في الأيام الماضية.


عمر تنظيم داعش في ليبيا ليس طويلاً، فقد ظهرت معالم نشأته في منتصف عام 2014 حين خرج من رحم تنظيم مسلح محلي «مجلس شورى شباب الإسلام» لتعود سرت منطقة انطلاق لتمدد التنظيم الذي يحاول السيطرة على مناطق خارج ليبيا كما هو الحال في التقارير التي تتحدث عن استقطاب للمقاتلين الطوارق، حيث دعا الزعيم البارز هناك أبو محمد الأنصاري بني جلدته إلى الانتقال إلى ليبيا للقتال في صفوف تنظيم داعش.


«داعش» الكبرى حلم يداعب مخيلة أتباع التنظيم ومناصريه في كل العالم، بما في ذلك أوروبا، القارة الأكثر تضررًا من حالة اللاحسم في ملف التنظيم. فكرة دولة عابرة للقارات تبدو خيارًا ثانيًا للانطلاق من الشام والتمدد عبر مواقع تمكين يحاول التنظيم خلقها لتشتيت الجهود في الحرب عليه، والمؤمل أن نرى نتائج الحملة الدولية بتحالف عريض من دول العالم الإسلامي والعربي وبقيادة السعودية في اجتثاث الإرهاب أينما ضرب بأوتاده، وهو ما يلقي على كاهل دول التحالف القيام بدورها في إنجاح الحملة التي تعد رأس الحربة الوحيد الآن لاستعادة الحالة المختطفة من قوى الظلام.
&