أنور عشقى&

استطاعت المملكة العربية السعودية إغراء روسيا الاتحادية وجذبها إلى الصراع السورى لئلا تكون الكلمة الأولى لها فى القرار بعد إيران، استحسنت روسيا ذلك لحماية مصالحها على شواطىء البحر الأبيض المتوسط بحيث يتسنى لها الدخول فى تحالفات الغاز والقواعد والسيطرة على المنطقة، وحماية الغاز والنفط الذى اكتشفته وتكتمت عليه شرق ووسط سوريا وسيطرت عليه دولة داعش الإرهابية. ما أن وصلت روسيا الى سوريا حتى بسطت سيطرتها على القواعد العسكرية والمطارات والموانيء وأخرجتها إيران التى توجست من ذلك مما كشف إيران وأخذت المعارضة تمعن فى قتل الإيرانيين وجماعة حزب الله واصطياد القادة الإيرانيين، تتوقف روسيا عند بسط النفوذ على الأراضى السورية فحسب بل أغرت تركيا بإسقاط الطائرة الروسية على الرغم من أنها قد أنذرت من قبل الطائرات الحربية التركية للخروج فى المجال الجوى التركي، وهذا ما أوجد المبرر الكافى أمام المجتمع الدولى كى تنشر روسيا صواريخها المضادة للطائرات وبذلك سيطرت على الأجواء السورية.&

أخذت روسيا فى قصف المعارضة السورية والمنظمات الإرهابية، لكن تركيز روسيا كان على المعارضة وبدأت الاحتجاجات العربية والعالمية ضد الغارات الروسية بعد أن تزايد عدد الضحايا المدنيين، مما تسبب فى إعادة الملف السورى إلى أولويات جدول أعمال الدول الكبري.&

بدأ الأرتباك يظهر على ملامح الرئيس بوتين مما خطر على التنسيق بين الدول الغربية لدعم المعارضة السورية، وتحرك وقتها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى جولة مكوكية التقى فيها بالمملكة العربية السعودية، وبعض الدول الإقليمية والغربية، وتقرر طرح القضية السورية من جديد على الجمعية العامة للأم المتحدة، كما عقدت قمة بين الرئيسين الروسى والأمريكي. لقد أسفرت هذه الاتصالات عن حلول طرحت على الرئيس الأمريكى أوباما كى يضع بوتين أمام خيارين لا ثالث لهما إما الدفع بالعملية السياسية والتحالف ضد تنظيم داعش أو الاستعداد للتصعيد العسكرى وتحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة خصوصا وأنه تبين للرئيس الروسى أن الدبابات التى كان يفاخر بها الجيش قد تساقطت أمام صواريخ تاو الأمريكية التى وصلت إلى المعارضة، ولعل هذا ما جعل وزير الخارجية السعودى يطلق عبارته الشهيرة «إما الحل السلمى فى سوريا أو الحرب». فخيار السلام يتطلب العمل على ثلاثة عناصر سياسية وأمنية وعسكرية تنطلق من تفاهم روسى أمريكى ودعم من الدول الإقليمية يتضمن وقف الحرب على الأراضى السورية ورسم خريطة الصراع بمسرح العمليات وتجديدها على أن تقوم روسيا بالضغط على النظام بوقف البراميل المتفجرة وقتل المدنيين وتحديد المعارضة المعتدلة ووقف العمليات الهجومية والتزام كل طرف بمكانه مما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية التى دمرت وتحديد القيادات المحلية التى يسمح لها بالمشاركة المحلية فى انتخابات برلمانية ومحلية. كما يتم التفاهم على الانتقال السياسى الذى يقتضى بقاء الأسد خلال مرحلة التفاوض الذى حددته الخطة له ستة أشهر قبل بدء المرحلة الانتقالية التى تستغرق عامين من الزمان يجرى خلالها تشكيل هيئة انتقالية بصلاحيات واسعة ودعم دولى تشرف عليها المؤسسات العسكرية الأمنية، مع إعادة هيكلة فصائل المعارضة وتوحيد صفوفها وهو ما قامت به المملكة العربية السعودية فى الرياض.&

وتتضمن الخطة تشكيل حلف دولى فى مواجهة تنظيم داعش من مجلس الأمن بالتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية دون النص على شراكة مع القوات النظامية، وهذا ما أتاح لروسيا إصدار قرار دولى بحيث يشمل عناصر الخطة، مما يسقط شرعية الجيش النظامي. وهنا تبدو اللجان الأربع التى دعا اليها المبعوث الدولى استيفان ديمستور مع اقتراح مجموعة اتصال دولية إقليمية للاتفاق على المباديء السياسية التفصيلية، وقد نجحت الولايات المتحدة فى ترجمة هذه التفاهمات الأمريكية والروسية ومخرجاتها الى خطة دقيقة تسير فى ظلال الشرعية الدولية.&

أرادت المملكة العربية السعودية أن تقوم بتهميش الدور الإيرانى فقامت بتنفيذ الأحكام القضائية بين الإرهابيين الذين بلغ عددهم 47 إرهابيا ومن بينهم الشيخ نمر النمر وهى تدرك أن ذلك سوف يفقد إيران صوابها فيدفعها إلى ارتكاب حماقات يستهجنها المجتمع الدولي. سارت العملية كما خططت لها المملكة وبادرت إيران بتحريك الحرس الثورى وقوات الباسيج بمظاهرات أمام السفارة السعودية مما جعل المملكة توجه تحذيرات لإيران بعدم الاعتداء على المؤسسات الدبلوماسية فى إيران مما دعا إيران إلى الاعتداء على السفارة السعودية بطهران وحرق القنصلية فى مشهد، فما كان من المملكة إلا أن قطعت علاقاتها مع إيران. توالت ردود الفعل العالمية واحتجت دول العالم على إيران لانتهاكها قرارات الأمم المتحدة وفيينا فى حماية البعثات الدبلوماسية وسلطت الأضواء على الممارسات الإيرانية ضد الدول العربية وزعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط فبادرت الدول العربية والعالمية بالوقوف مع المملكة العربية السعودية وقطع بعضها العلاقات مع إيران وخفف البعض من التمثيل الدبلوماسى فبدأت المملكة العربية السعودية فى التحرك الدبلوماسى ودعت لاجتماع عاجل لدول مجلس التعاون واجتماع مماثل للدول العربية وفتح كل الملفات العدوانية التى قامت بها إيران ضد المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول كما أنها سوف تدعو لاجتماع الدول الإسلامية والأمم المتحدة. وعندما أعلنت المملكة العربية السعودية أن هذه الأزمة بين إيران والسعودية لن تؤثر على مجرى المحادثات السلمية أعلنت إيران أنها ستؤثر على المحادثات مما جعل إيران تظهر بثوب الإسلام فى المنطقة وبشكل خاص فى سوريا. وبهذا أصبحت إيران معزولة عن المجتمع الدولى ولم يبق أمامها إلا أن تتوقف عن ممارساتها فى دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وعدم التدخل فى شئون الدول العربية . إن هذه التصرفات اللا مسئولة من إيران أحرجت أصدقاءها مثل روسيا والعراق وسوريا وعلينا أن تدرك بأن العالم قد تغير وأنه لن يوجد بعد اليوم من يفرض إرادته على الدول والشعوب بالإرهاب والمكائد، بل إن النفوذ الحقيقى لن يكون إلا بالثقافة والاقتصاد والتعاون وهذا ما دعانى إلى القول بأن القضية اليمنية والسورية والليبية والتنظيمات الإرهابية كلها ستختفى من الساحة الدولية خلال عامين من الزمان.

&

&