سمير عطا الله

هرب أنور من السجن، وعاش في الخفاء لمدة عام باسم محمد نور الدين، وراح يتدبَّر أمر معيشته كيفما اتفق. عمل أولاً في تسليم الفواكه و«الخضار» لحساب تاجر غير مستقيم، ثم في نقل الحجارة وتعبيد الطرق، وأخيرًا سائق شاحنة لنقل الرخام، حيث عمل في ورشة لبناء مقر إقامة للملك فاروق بالقرب من أهرامات الجيزة.


ألغيت الأحكام العرفية عام 1944، وخرج السادات من الاسم المنتحل لينصرف إلى العمل السري من جديد، بادئًا بمؤامرة لاغتيال النحاس باشا الذي نجا منها. عندها تآمر مع رفاقه لاغتيال وزير المالية أمين عثمان، الذي نفذه شاب يدعى حسين توفيق. اعترف القاتل بأسماء شركائه وأولهم السادات. وعندما وُوجه بحسين توفيق لجأ الممثل إلى موهبته وأنكر أي معرفة بحسين توفيق. وفيما هو في السجن تولت جماعة الإخوان المسلمين هذه المرة تأمين مصروف العشرة جنيهات شهريًا لعائلته.


فرّ حسين توفيق من السجن، وبُرئ السادات الذي بدأ وهو في الثلاثين يعد للطلاق: «حين دخلت الكلية الحربية اتضحت لي التناقضات التي تلازم هذا الزواج، واكتشفت أن ما من شيء يجمعني بزوجتي. لقد كان مجرد زواج ريفي مدبر». أقام في نُزُل رخيص في حلوان بعيدًا عن منزل أبيه. وذات يوم دعاه صديقه حسن عزت لزيارته في السويس، حيث التقى جيهان، ابنة عمة زوجة حسين. كانت جيهان رؤوف في الخامسة عشرة. ولم تصدق أذنيها حين قيل لها إن أنور السادات الذي تتحدث عنه الصحف وصل إلى هناك. كانت جيهان، الإنجليزية الأم «مسلمة ومؤمنة» ومشغوفة بالقراءات السياسية.


تروي جيهان أنها أعجبت كثيرًا بالشاب الثائر. وبدا ثلاثة من طالبي يدها «باهتين» أمامه. لكن كيف ستقبل أمها برجل يريد مقاتلة الإنجليز، ويحتقر ونستون تشرشل الذي تحبه؟ سوف يستخدم أنور موهبته التمثيلية الكبرى، وترى الأم هي أيضًا معجبة بشجاعته وصراحته.


احتفل بالخطوبة في سبتمبر (أيلول) 1948. ورغم أن أنور كان مطرودًا من الجيش، فقد ارتدى بزته العسكرية. وسمعت جيهان أحد أشقائه يقول لها: «كيف عثر شقيقنا المحظوظ على فتاة بيضاء مثلك». تزوجا في مايو (أيار) 1949 عندما كان هو في الثلاثين، وجيهان لم تكمل السادسة عشرة. أمضيا شهر العسل في الزقازيق، حيث ذهب العريس إلى العمل مع حسن عزت في مد أنابيب مياه الشفة إلى قرى المنطقة. غير أنه ما لبث أن اختلف مع حسن عزت، وأصبح عاطلاً عن العمل من جديد، فعاد العريسان إلى القاهرة لتمضية سبعة أشهر عجاف، عرفت خلالها جيهان «الجوع لأول مرة في حياتي».
عام 1950، وبواسطة من طبيب الملك، عاد السادات إلى الجيش.
إلى اللقاء..
&