محمد عاكف جمال
&
منذ ظهور تنظيم داعش على مسرح الأحداث في العراق وفي سوريا ثم في ليبيا، لم يعد خافياً أن هذه الدول ليس لديها القدرة على مواجهته بقدراتها الذاتية، التي أوهنتها إلى حد كبير الصراعات الداخلية العنيفة، وأوشكت على الانهيار اقتصادياً، فهي بحاجة بهذه الدرجة أو تلك إلى الاعتماد على دول أخرى.
&
الحرب على الإرهاب عموماً، وعلى تنظيم داعش بشكل خاص، أصبح هاجساً يومياً، ليس في الدول التي يعشعش فيها هذا التنظيم فحسب، بل في دول أوروبية عديدة ذاقت مرارة لدغاته.
&
أصبحت هذه الحرب مناسبة للتنافس والتسابق بين الدول العظمى، لتسويق أنفسها محررة أو منقذة لبعض دول الشرق الأوسط والشمال الأفريقي من هذا التنظيم. فرنسا تعلن عن تخصيص برنامج تمويل قدره مليار يورو لمدة خمس سنوات، كمساعدة لتونس الذي يتردى اقتصادها بسبب العمليات الإرهابية، صحيفة التايمز اللندنية، تتحدث عن وصول قوات خاصة فرنسية وأميركية وجزائرية إلى ليبيا، وهناك تقارير وأخبار عن وصول قوات روسية وبريطانية أيضاً.
&
وعلى مستوى أكثر جدية، تعلن الولايات المتحدة، على لسان وزير دفاعها من منتدى دافوس في سويسرا، أن على التحالف الدولي الذي تقوده، استعادة مدينتي الموصل والرقة بأقرب وقت، والاستعانة بقوات برية لهذا الغرض، إذ سترسل الفرقة 101 المحمولة جواً، لدعم قواتها الموجودة هناك..
&
مؤكداً على أن هذه القوات لن تكون بديلاً عن القوات المحلية التي تحارب التنظيم، وإنما لغرض تدريبها وتعبئتها بشكل أفضل. كما بدأت الاستعدادات الأميركية لتجهيز مطار في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا..
&
حيث يوجد العشرات من مستشاريها الذين دخلوا سوريا مؤخراً، لاستخدامه كقاعدة للطائرات المروحية، ولهبوط طائرات تحمل السلاح والأعتدة. كما تلقى حلف الأطلسي، طلباً أميركياً بإشراك طائرات الأواكس في الحرب على داعش، فهذا الحلف ليس له دور بصفته الرسمية في هذه الحرب.
&
الولايات المتحدة تعتمد استراتيجية منع انتشار نفوذ هذا التنظيم، وعزل المسرح السوري عن المسرح العراقي، عبر السيطرة الجوية على الطرق بين البلدين، فهي تعمل على تعزيز الرقابة على هذه الطرق، وعلى تعزيز حضورها براً في عدد من القواعد.
&
بدأت الولايات المتحدة انتهاج هذه الاستراتيجية في الحرب على داعش، بعد دخول روسيا بقوة في المسرح السوري، فهي إذ تنفرد بالمسرح العراقي، لا تسمح بانفراد روسيا بالمسرح السوري الأكثر تعقيداً، بسبب الحرب الأهلية الدائرة فيه. الموقفان، الأميركي والروسي، حول الموقف من نظام الرئيس الأسد، تمكنا، رغم التعارض بينهما، من التعايش على مدى الأربع سنوات الماضية، في تقاسم مؤقت وهش وحذر للمصالح.
&
إلا أن بدء روسيا باتخاذ إجراءات لتوسيع وجودها في سوريا قد أخل بهذا التوازن في المصالح، ما يعني أن التوافق قد لا يستمر لأمد أطول، خاصة أن الوضع في سوريا على المستويين العسكري والسياسي، لا يزال بعيداً عن الحلول، فمؤتمر جنيف الثالث يتعثر في انعقاده.
&
روسيا توسع من وجودها في سوريا، فإضافة إلى وجود قواتها في عدد من القواعد العسكرية السورية في اللاذقية، بدأت هذه القوات تظهر في القاعدة الجوية في القامشلي، ما أثار قلقاً في أنقرة، وحيرة في واشنطن، لقرب هذه القاعدة من الحدود التركية من جهة، وقربها من مطار الحسكة (ثمانون كيلومتراً)، الذي تعده الولايات المتحدة، ليصبح قاعدة عسكرية لقواتها، من جهة أخرى.
&
التحرك الروسي هذا لا يخلو من رسائل سياسية تحذيرية لتركيا، وتطميناً في الوقت نفسه للكرد، الذين يشكلون أغلبية سكانية في هذه المدينة، موسكو بهذه الخطوة، تسعى للتقرب من الكرد، خاصة أنهم لم يرفعوا السلاح ضد النظام.
&
الاستراتيجية الأميركية الجديدة، لا تخلو بكل تأكيد من أحد عناصر المبارزة مع روسيا، التي وصفها الرئيس الأميركي قبل أيام بخطابه عن حالة الاتحاد، بأنها «قوة إقليمية»..
&
وهو وصف تراه روسيا جارحاً لكبريائها، فهي ترى نفسها «قوة عظمى». فتوسيع الدور الأميركي في الحرب على داعش في سوريا والعراق، رسالة، ليس لروسيا وحدها، بل للقوى المحلية في البلدين، التي تراهن على الدور الروسي، وليس على الدور الأميركي.
&
الاستراتيجية الأميركية الجديدة، محكومة إلى حد ما بما تفرضه الحملة الانتخابية الرئاسية، التي أصبحت على الأبواب، من استحقاقات، فسجل إدارة الرئيس أوباما، يشوبه الكثير من النقد، وعليه الكثير من المآخذ على مستوى الداخل الأميركي، وقد تعرض ويتعرض لنقد شديد من الحزب الجمهوري، خاصة ما يتعلق بالموقف من الأزمة السورية..
&
ومن الحرب على داعش، ومن الاتفاقية مع إيران حول برنامجها النووي. هذه المآخذ لن تكون بعيدة عن طروحات الجمهوريين في حملتهم الانتخابية لإضعاف موقف المرشح الديمقراطي. فقد بدأت الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في باريس، تلقي ظلالاً على مسارات الانتخابات الأميركية، حيث أصبحت مادة لاحتدام النقاش في المناظرات التي يجريها المتقدمون كمرشحين للرئاسة..
&
ومن المتوقع أن تلعب هذه الاعتداءات دوراً هاماً، ليس في تكثيف الجهود للقضاء على هذا التنظيم، بل في هيكلة المسارات نحو البيت الأبيض. من هذا المنظور، عمدت إدارة الرئيس أوباما، إلى قدر من التصعيد في الحرب على داعش من جهة، وحرصاً شديداً على بدء محادثات جنيف 3 للتوصل إلى حل للأزمة السورية من جهة أخرى، وذلك لتعزيز موقف الحزب ومرشحه الرئاسي.