علي القاسمي

يمارس الفعل الإرهابي الدور الدنيء ذاته في مسلسل اقتناص دور العبادة والمساجد، ويحاول أن يضع الخريطة الوطنية والفتنة في مواجهة نشاهد نتائجها في دول الجوار وكيف سحبت بلداناً متعددة إلى الحرائق والمواجع والمآسي وحمامات الدماء وقلبت أمنها إلى خوف فظيع وجحيم لا يطاق. الإرهاب الذي استهدف مسجد الإمام الرضا في الأحساء يضاف كرقم جديد في سجل الإجرام، ويحسب في خانة المحاولات البائسة لإحياء الطائفية وتفتيت النسيج المتماسك من خلالها، وإحداث ثغرات يمر منها المــزايدون والمرضى والمسكونون بالشر والأذى، لكن الأيام والتحديات التـــي تعيشهــا السعودية تتحدث عن أنها تقف بثبات وتعيش مواجهات دامية في الميدان لا على الورق، وتواجه الإرهاب بكامل قواها وتلاحق عناصره الضالة والمنحرفة، على رغم أن التكاليف لهذه المواجهة باهظة ومزعجة.

&

إرهاب الجمعة الفائت اختار الأحساء، وهي النموذج الوطني الفريد في التعايش والحياة الهادئة النقية، اختارها ليغتال هدوءها ويربك مساءاتها الحالمة بضجيج الحكايات المخيفة، ويضع من صلواتها منطقة خوف وترويع، لكن الأحساء عصية على مثل هذه الألاعيب، لأنها متكئة وأهلها على الوعي وتؤمن كما يؤمن السعوديون كافة بأن الفتنة ما حلت ببلد إلا استحال حزناً دامياً وجرحاً متورماً كلما اقتربت منه ازداد اتساعاً، هم مؤمنون بأن الإرهاب الأسود لن يجابه إلا بالتحدي والإيمان بالوحدة والنسيج المتماسك الذي عاشوا عليه وبقية أفراد وطنهم وكان هذا التماسك صمام أمان ضد من يحاول توزيع لعبة الشيطان/ الطائفية في المناطق التي لم تعرفها ولن تعرفها ما دام أن الاستقرار العام خط أحمر.

&

نحتـــاج لمواطَنةٍ ننشدها، أن نكبر مع المواقف لا مع السنين، السنـــة والشيعة لا بد أن يكونوا ضد الفتنة وضد من يحاول الضرب فـــي النسيــج الوطني من خلال المذهبية المقيتة والرمي بأحجار الطائفية في المياه الراكدة، فلم تكن هذه الأفعال قادمة من السماء بمقدار ما كانــــت نتاجاً للصمت والقفز من مساحة لأخرى، بحجة أن المساحة المنتقل منها لا تعنينا في الوقت الحالي، هذه الأفعال نتاج للتحريض المدروس في عقول الظلاميين والمعتوهين فكرياً، ومن الغباء الرفيع الدرجـــات أن نجمع الشيعة في سلة واحدة أو نجمع السنّة في سلة ممــاثلة، ففي ذلك نوع فريد من الغباء الطائفي الذي لا يثمر إلا قيحاً فكـــرياً وصديداً نفسياً ترتفع درجاته يوماً بعد يوم، وللسعودي السني والسعــودي الشيعي أن يؤمنا بأن عدوهما الحقيقي من يحاول ويقاتل ويخطط ويرسم لأن يولد العداوة ويوقد الفتنة من أي منبر كان وفي أي أرض ولد، وسنظل ناقمين غاضبين ملاحِقين لكلِّ من ضخَّم فينا خطاب الاختلاف ولم يعمق أصول التعايش الوطني وإضاءاته ومتعته، لأن القتل والإرهاب لا دين ولا طائفة لهما، فمن قتل بالأمس شيعياً بريئاً قتل بعده سنياً بريئاً.. وهكذا، وما بين هذه المشاهد المتلاحقة يكون الوطن إزاء فتنة لا يعيها إلا الكبار، وسنتجاوزها بعقول الأسوياء.
&