&عمار علي حسن

ربما لم يُصنع اصطلاح تبريري وذرائعي في تاريخ الإرهاب أكثر من تعبير «الذئاب المنفردة»، الذي قصد به، مع الطور الأخير من الإرهابيين، قيام أفراد متأثرين بأفكار تنظيم «داعش» أو منتمين إليه سراً بعمليات إرهابية متفرقة في بعض الدول، ثم الإعلان عن أنفسهم، أو التكتم وترك هذه المهمة لإعلام التنظيم، الذي يُسند هذه الحوادث أو ينسبها إلى نفسه، في إطار سعيه إلى تعظيم قوته، لإغراء آخرين بالانضمام إليه، أو الكيد لخصومه والضغط عليهم

و«الذئب المنفرد» بات يمثل آلية تنتهجها المنظمات الإرهابية بغية ارتكاب اعتداءات دون أن تتورط فيها بشكل مباشر، وتفضي في غالب الأحيان إلى عمليات دموية قد يكون لها أثر تحفيزي ودعائي يرمي بالأساس إلى استقطاب المزيد من الأشخاص الذين يستهويهم «الفكر الجهادي»، وقد تؤثر بالفعل في سياسات بعض الدول حيال التعامل مع «داعش»، وهذا الاصطلاح ينبع من عدة اعتبارات يمكن ذكرها على النحو التالي:

1- هو اصطلاح أفرزته المؤسسات الأمنية الغربية، في إطار تفسيرها لبعض الحوادث الإرهابية التي تقع هناك، وعدم توصل أجهزة الأمن إلى فاعل حقيقي لها، أو توصلها، ثم تأكدها من غياب أي صلات تنظيمية أو إدارية أو مالية بين الفاعل وبين قيادات التنظيم الموجودة في المنطقة التي يحتلها «داعش» على أجزاء من أرض العراق وسوريا.

2- هو اصطلاح تم التمهيد له من أيام مواجهة تنظيم «القاعدة»، وتحديداً عقب ضرب التنظيم بشدة على أرض أفغانستان، وإزاحة حركة «طالبان» التي كانت تحتضنه عن الحكم.

فوقتها تم الحديث في كثير من الأدبيات السياسية والأمنية عن تحول «القاعدة» من تنظيم إلى فكرة، بمعنى أن الصلات التنظيمية المباشرة بين قادة التنظيم وقواعده في مختلف الدول صارت واهية جداً، أو انعدمت تماماً، لكن الأفكار التي لا سلطان عليها، ساح خطرها في الأرض، وصار هناك من يعتنقها في أماكن عدة، وبوسعه أن يكمل الطريق الذي رسم قادة «القاعدة» معالمه. وقبل «داعش»، طالما خرج قادة «القاعدة» ببيانات وتصريحات عقب بعض الحوادث الإرهابية المتفرقة، ينسبونها إليه، ويؤكدون أن مرتكبها، أو مرتكبيها، تابعون للتنظيم.

3- هذا الاصطلاح محمل بالدلالات في حد ذاته، فهؤلاء «ذئاب» في نظر من ينعتونهم بهذا، وبالتالي فهم يحملون عندهم كل الصفات التي يملكها الذئب من غدر وشراسة وشرَه، وهي ما دفعت، من قبل ذلك بكثير أتباع مختلف الثقافات إلى وصف المغتصبين للنساء بالذئاب البشرية. ونظراً لأن مرتكبي الحوادث الإرهابية الفردية طالما يفاجئون الدول بعمليات خسيسة، وبعضهم يحمل جنسية هذه الدول لكنه يغدر بأهلها، ومثل هؤلاء متعطشون للدماء، فإن مصطلح الذئاب يبدو مناسباً لهم.

4- تآلف إرهابيي «داعش» مع هذا المصطلح، مثلما سبق أن تآلفت الجماعات والتنظيمات التي تمارس الإرهاب والعنف على خلفية دينية مع اصطلاح «إرهابي» زاعمة أن هذا الوصف يليق بأتباعهم، لأنهم يرهبون «عدو الله». ولذا لم يتوان بعض عناصر التنظيم عن تأليف كتاب في هذا الصدد، وصفوه بأنه «هديّة للأحبّة المجاهدين وأنصارهم»! ويحتوي على سيرة عشرين إرهابياً منفرداً يقول الكتاب، إنهم «دكّوا أميركا دكّاً»، ويقصد بهم الذين شاركوا في ضرب برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001.

وعلى مواقع بعض «الدواعش»، هناك نصائح تفيد في الإجابة عن سؤال: كيف تصبح ذئباً منفرداً، لكنهم وضعوها تحت عنوان، وهي تجري في رأي الدواعش وتدبيرهم على أساس تفسيرهم المعوج للآية القرآنية الكريمة: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ»، إذ يفترضون أنهم هم أنصار الله، وأن من يقاومونهم ويقاتلونهم أعداء الله، سائرين في هذا على درب من سبقوهم من التنظيمات والجماعات التي مارست العنف والإرهاب.

وبهذا فإن «الذئب المنفرد» يجب أن يكون مدرباً، وأن يمتلك مهارات وخبرات أمنية وقتالية، وأن يكون تحركه منفرداً ومنعزلاً لكنه فعال، الأمر الذي يجعله يتفادى ارتكاب أخطاء قد ترتكبها مجموعة كاملة، قد يكون من السهل رصد تحركها.