محمد خلفان الصوافي

لعله من الرسائل المهمة التي أراد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن تصل إلى الرأي العام من خلال الإعلان عن استراتيجية العام المقبل ليكون «عام الخير»، رسالتان أساسيتان:

أولاً: أن القيادة السياسية في دولة الإمارات لها رؤيتها الخاصة فيما يحدث حول العالم، وهذه الرؤية قد تختلف عما يعتقده الآخرون، حيث يكاد الجميع يتفق على أن العام المقبل سيكون من أصعب الأعوام التي تمر على العالم، سواء اقتصادياً أو سياسياً وأمنياً، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.

ثانياً: أن إشاعة التفاؤل بين الناس، وهو تفاؤل له مبرراته في دولة الإمارات، يعني تأكيد الثقة والقدرة على مواجهة كل التحديات والتقليل من تأثيراتها السلبية.

الإعلان أو الاستراتيجية (كما أحب أن أطلق عليه، لكونه يحمل محاور تنفيذه) كان مصدر ارتياح بالنسبة للرأي العام الداخلي الذي يثق فيما تطرحه قيادته السياسية من رؤى استراتيجية، ولدينا في ذلك العديد من السوابق السياسية، مثلاً: قيام دولة الاتحاد التي نجحت في الوقت الذي كان فيه كثيرون يشككون في صمودها لأشهر وهي الآن صاحبة أفضل تجربة تنموية عربية. ومن البراهين الاقتصادية على ذلك: تجاوز الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي توقع كثيرون أن تؤثر سلبياً في اقتصاد دولة الإمارات، لكن عوامل مهمة مثل، وجود بنية اقتصادية قوية، وتوفر رؤية شاملة لدى القيادة، والاستعداد للتعامل مع المتغيرات.. ضمنت أن تأتي النتائج عكس التوقعات المتشائمة.

وفي المقابل، فإنه من الطبيعي أن يكون إعلان الاستراتيجية مصدر إثارة واستغراب لدى البعض في الخارج، وقد اعتدنا على حدوث حالات من ذلك النوع، وربما نجد العذر لمن يستغربون، على اعتبار أن المعطيات التي يرونها عندهم هناك على الأرض تشير إلى استبعاد أي مساحة للتفاؤل.

الاستراتيجية المعلنة أشركت بشكل مباشر وواضح القطاع الخاص، وذلك بحكم مسؤوليته المجتمعية، وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو عبئاً مالياً عليه من الناحية النظرية، لكونه قطاعاً يركز اهتمامه على تحقيق الربح، فإن الضرورات الجديدة تجعل الحكومات في جميع أنحاء العالم غير قادرة على تحمل العبء بمفردها، وبالتالي فإن الالتزام بتلك المسؤولية واجب، لاسيما أن هذا النوع من المسؤوليات بات جزءاً أساسياً من مهام القطاع الخاص في كل دول العالم.

ولم يغب عن الاستراتيجية ترسيخ روح التطوع باعتبارها «قوة وطنية» لم تكن مفعلة بالطريقة التي يمكن استثمارها لتقديم الكثير من الخدمات الإنسانية والوطنية. ولم يتوقف الأمر على هذين المحورين فقط، بل شمل أهمية انتقال الخبرة من الأجيال التي اكتسبت خبرات عملية خلال الفترات السابقة للأجيال الجديدة الصاعدة، بما يؤدي إلى استمرارية روح المواطنة وتعزيز المسؤولية. وإذا كان هناك مَن حصد خبرةً خلال فترة معينة من عمر الدولة، فإن الواجب الوطني يلزمه برد الجميل من خلال نقل الخبرة التي اكتسبها إلى الأجيال الجديدة.

والشيء الذي لا يمكن لأحد أن ينكره هو أن هناك تحديات تواجه المنطقة والعالم بأسره، خاصة مع قدوم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والذي يبدو حتى الآن أنه مصدر قلق للنظام الدولي، إذ أصبح يرجح كثيرون ألا تختلف مواقفه مرشحاً عن مواقفه رئيساً. كما أنه يصعب، بالتأكيد، تجاهل كل القراءات المستقبلية للعام المقبل التي قدمها الخبراء والباحثون وعلماء المستقبليات، خاصة في «المنتدى العربي الاستراتيجي».

إلا أن الاستراتيجية الإماراتية تريد قطع الطريق على محاولات بث اليأس في نفوس الناس، كما تريد أن تتحدى المحاولات الرامية إلى تخريب منهج إسعاد الناس الذي تتبناه بعض دول العالم، ومنها دولة الإمارات.

خلق توازن بين الصورة الكئيبة والقاسية التي يروج لها العديد من وسائل الإعلام، وبين إشاعة الأمل في المستقبل والتفاؤل بما هو قادم.. أمر مهم جداً في مواجهة التحديات، وهذا لا يعني بحال من الأحوال القفز على التهديدات التي يمر بها العالم.

النقطة المهمة في هذه الاستراتيجية هي أن إشراك المجتمع، بمحاوره الثلاثة، في مواجهة التحديات، لا يعني التقليل من دور الحكومات، فهي حجر الزاوية في أي تحرك وطني. وقد أثبت تعزيز قدرة الدول من خلال تفعيل الدور المجتمعي في مواجهة التحديات، نجاحه خلال الأزمات الأخيرة في بعض المناطق، فهو الاستثمار الأمثل والرشيد في مواجهة كل الأزمات.

والنقطة الأخرى المهمة، هي أن التفاؤل لا يعني أن يكون الإنسان متراخياً في مواجهة الأزمات، كما لا يعني التهوين من حجم المخاطر، بقدر ما هو حافز معنوي لمواجهتها.. وبالتالي يمكن أن نرى في هذه الاستراتيجية ما يطمئن العالم إلى أن القادم سيكون أفضل.

وأخيراً، فإن الاستراتيجية تركز على الدور الوطني الذي أثبت نجاحه في مواجهة الأزمات، بعدما فقدت القوى الدولية مصداقيتها في أحيان كثيرة، ولذا فالدلالات والمعاني التي يحملها لا تقتصر فقط على الوضع الإماراتي المحلي، بل تتعداه إلى الأفق العالمي الأوسع.