&زهرة مرعي

&صار لساندي شمعون مريدون يستمتعون بخياراتها الفنية وبالأداء الدرامي والحركة المسرحية التي تعتمدها بعفوية خلال الغناء. إنها خريجة معهد الفنون في الجامعة اللبنانية ـ قسم المسرح، اكتشفت الشيخ إمام في الخامسة عشرة من عمرها، وجدته يغني الناس، كل الناس. وعندما كان الغناء درباً أرادته لنفسها بحثت في المغمور من أرشيف الفنان الضرير، وليس الشائع بين مريديه. ساندي تتحضر لمزيد من العلم في الموسيقى، والفن في حياتها باب مشرّع على التجارب. بمناسبة غنائها مجدداً للشيخ إمام في مترو المدينة في حفلات حملت عنوان «الشربة العجيبة» وكذلك مشاركتها في عروض «أغاني سرفيسات» حيث أهدت أغنية «أنا زي سنوبي ولد غلبان كنت مشعبط في الميدان» لكل من شارك في ثورة 25 يناير، تحدثت لـ «القدس العربي» عن أسباب استعادتها لهذا الغناء المهيب.

«الأسباب متعددة، أولها الكلام، وألحان الشيخ. ألحان مجنونة جداً في حينها ولا تزال. الشيخ ملحن ومؤد رائع انجذابي له دون حدود. الموضوعات التي اختارها للغناء لا تزال سارية المفعول في زماننا الحاضر. في التصنيفات الشيخ إمام في رأيي ليس حكراً على فئة من البشر. هو حالة إنسانية وثقافية أوسع بكثير من أن تحتكرها مجموعة من الناس. للشيخ ريبرتوار واسع إلى جانب تلك الاغنيات المشهورة في التظاهرات. أغني الشيخ إمام لأنه حالة مهمة جداً على كافة الصعد الفنية، وبخاصة في صلته مع الجمهور. الشيخ إمام أبصر العالم والناس من خلال الموسيقى».

كيف كان التعارف بينك وبين موسيقى الشيخ إمام؟

ـ في عمر المراهقة كنت ألتقي مع أصدقاء من جيلي يسمعون موسيقاه. هكذا كان اللقاء الأول الذي أبهرني، ومن ثم بدأت أبحاثي لمزيد من التعارف مع كل غنائه. من المهم الإشارة إلى أني لم أكن أفهم ما يقوله الشيخ، ومع مرور الأيام راح يتكون وعي لمقاصده من الكلام الذي يؤديه.

درست المسرح فكيف بنيت صلتك بالموسيقى بحيث صرت مغنية لنوع خاص من الموسيقى والكلام؟

ـ دراسة الصوت جزء من دراسة المسرح. اكتشاف الصوت كان من الصدف. عملي الاحترافي الأول على طريق الغناء تمثل في كوني عضو في فرقة «الراحل الكبير» بعد رفض كلي سابق لفكرة الغناء. على مدى ثمانية أشهر تواصلت التمارين مع الفرقة بعدها كان القرار باعتلاء المسرح. وفي مترو المدينة كانت حفلاتنا الأولى. ومن حينها بدأ يتكرر ظهوري على المسرح كمغنية. في حفلات «الراحل الكبير» أديت أغنيات من تأليف خالد صبيح، وأخرى للشيخ إمام وسيد درويش. اغنيات تمّ تقديمها بتوزيع جديد وضعه خالد صبيح.

يتكرر غناؤك على المسرح منفردة، تغنين الشيخ إمام أو مع فرقة «الراحل الكبير» فما هو الفرق بين الحضورين؟

ـ مع فرقة «الراحل الكبير» أجدني أكثر اطمئناناً. فالمسؤولية حينها ليست على عاتقي بل تتوزع بيننا كفرقة موسيقية تشكل حالة فنية. هي حالة نجتمع كفرقة في تجسيدها وتقديمها. وهذه الحالة صارت تُعرف باسم «الراحل الكبير». أن أغني وأجسد أغنيات الشيخ إمام منفردة عندها تختلف المسؤولية. صحيح أنا مع فرقة موسيقية، لكنّ جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتقي. في حفلات غناء الشيخ إمام أدخل الحالة الفنية في عمقها وأجسدها بما يشبه الانصهار فيها.

ريبرتوار الشيخ إمام واسع جداً ما هي أسس الاختيار من ضمنه؟

ـ اختار الأغنيات بالتشاور مع المدير الفني لمترو المدينة هشام جابر. المبدأ الذي ننطلق منه في الاختيار الابتعاد عن الأغنيات المعروفة، وتسليط الضوء على أخرى. في ارشيف الشيخ اغنيات تخاطب مصر بشكل مباشر ليس لنا أن نقولها في لبنان، بل نركز على الغناء الذي يجمع بين الهضامة والمعنى.

ربما يقصد حفلاتك كهول لهم ود مع اغنيات لها شهرتها للشيخ فهل تلبين الطلب بادائها؟

ـ نعم حدثت هذه الواقعة في حفل الأسبوع الماضي. لم أستجب، ليس عناداً بل لضرورة الالتزام بالريبرتوار المحدد. أفضل أن يكون الجمهور على تماس مباشر مع اغنيات مهمة جداً ولم يعرفها للشيخ.

في أي خانة تضعين حفلات غناء الشيخ إمام؟

ـ في هذه الحفلات أعيش الكثير من الفرح المستمد من هذا الفن بالتحديد. أشعر بحالة المهرج والبهلوان، وسببها في رأيي تلك السخرية المرّة التي يقول فيها الشيخ كلامه. كل كلمة أرددها من كلمات أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام أشعرها وكأنها تخرج من أعماقي. ما يقوله الشيخ هو لسان حالي. كلام ولحن يلبي ما يشغل فكري من موضوعات إنسانية يجب التعبير عنها فنياً.

بشكل عام عبّر الشيخ إمام عن حالة سياسية واجتماعية مصرية فكم يعنيك ذلك كمواطنة لبنانية؟

ـ كمواطنة يعنيني ما يدور حولي. في بدايات الثورة زرت مصر وميدان التحرير تحديداً وشاركت في الاعتصام والتظاهرات. لست متمسكة بالقومية العربية، لكن ما يجري في مصر وسوريا يستحيل أن يكون بعيداً عني. الشيخ إمام ليس مصرياً فقط حتى وإن غنّى الشارع المصري، بل هو قريب من الكثير من البشر. الموضوعات التي غنّاها الشيخ ليست بعيدة سوى على الإنسان الذي قرر التقوقع في زاروب منزله.

غالباً تغنين الشيخ وأنت جالسة لماذا؟ أين حركتك كصبية؟

ـ لا أشعر أن الموضوعات التي اختارها الشيخ تحمل أي نوع من الحركة غير المألوفة. ما يغنيه الشيخ يحتاج للتعبير الدرامي من خلال الصوت، مترافقاً مع حركة جسدية متناغمة. لا أدرس هذا الحضور ولا أقرره، هي الأغنية واللحظة تفرض نفسها. في حفلاتنا الحالية أردنا التشبه بحفلات قديمة صورها الشيخ إمام مع فرقته وهو يجلس إلى كنبة في منزل عادي، يعزف العود ويغني، وأصدقاؤه يهيصون. وفي عرض «الشربة العجيبة» أردنا إيصال هذه الصورة.

إن كان غناؤك للشيخ متباعداً فأين سيصب مشوارك مع فرقة «الراحل الكبير»؟

ـ حالياً نحن بصدد تسجيل «سي دي» بدعم إنتاجي من «آفاق» و»مترو المدينة» ومقرر أن يكون جاهزاً في بداية الصيف. لكني شخصياً منفتحة وراغبة بخوض تجارب فنية جديدة. ولهذا قريباً سأكون في برلين لدراسة تأليف الموسيقى الإلكترونية.

ما هذه الرحلة بين طرفين متباعدين، تغنين الشيخ وميزته العود وتسافرين إلى الموسيقى الإلكترونية في ألمانيا؟

ـ وسأبقى على حبي وتقديري لموسيقى الشيخ إمام، وهو مرحلة في حياتي ولن أغنيه للأبد. الاستعادة من قبل جيلنا لموسيقى بهذا القدر من الجمال ضرورية، ولا يجب أن تصبح هوية فنية شخصية لأي كان؟

هل تعرفين إلى أين أنت مبحرة مع الموسيقى الإلكترونية؟

ـ هي رحلة بحث ودراسة، وقد التقي بموسيقيين جدد يفتحون لي أفقاً لتعاون مختلف. خطواتي جديدة في الفن، ولم اتبين بعد طريقي وما أرغبه بشكل قاطع. تكثيف التجارب في الفن ضرورة، قد تساعد في تحديد الخيارات الفنية التي أرتاح لها وأتمكن من العطاء من خلالها.

هدفك المستقبلي الموسيقى وليس المسرح؟

ـ يمكن للمسرح أن يكون من خلال الغناء كذلك. في الواقع أفتح الأبواب أمام أي تجربة أجد نفسي فيها. في الصيف الماضي كان لي حضور تمثيلي في فيلم روائي لروي ديب وهو قيد المونتاج حالياً. نحن في عصر تتلاقى وتتداخل فيه فنون الأداء. الممثل يرقص، يغني ويمثل كذلك. وهذا يعود بالطبع للمقومات التي ينطلق منها كل فنان. من جهتي لا أمتلك مهارة الرقص لكني أرتاح مع الغناء وأجيده. شغفي في التجريب الفني دون حدود. وأي تجربة أخوضها لن أعتبرها ناجحة مئة في المئة، وبالتالي أرفض بعدها مجالاً تجريبياً آخر. بل العكس، ليس من باب مقفل إمامي، الفن ليس وظيفة محددة المهام في شركة ما.