&برّي يمارس "عملية تمجيد" لعرض الحريري فهل يمكنه إغراء "حزب الله" للقبول به؟

&ابراهيم بيرم

أمران اساسيان انطوى عليهما الكلام الاخير لرئيس مجلس النواب نبيه بري. الاول: الافصاح عن اعجابه بـ"العرض" الذي قدمه زعيم "المستقبل" الرئيس سعد الحريري الى "حزب الله" مقدمة لشركة سياسية جديدة ، خصوصا ان هذا العرض يأتي في ذروة لحظة انفجار الغضب السعودي على الحزب والمتعاطفين معه بعد ادراجه في خانة المنظمات الارهابية ، واعتباره (اي بري) ان تقديم العرض من جانب الحريري يعدّ جرأة توشك ان تكون تضحية يتعين تلقّفها على عجل. والثاني: العودة الى العزف على وتر ضرورة انجاز الاستحقاق الرئاسي، معتبرا، ربما للمرة الاولى، ان تفويته في هذه المرحلة يوشك ان يكون خسارة قد لا تعوض في قابل الايام لفريق 8 آذار.

مؤدى كلام رئيس المجلس في هذا التوقيت بالذات ينطوي على دعوة اكثر جرأة وصراحة من ذي قبل موجهة الى "حزب الله" كي ينخرط في التسوية التي رفع لواءها الرئيس الحريري اخيرا وتبدت في الفترة الاخيرة معالمها وخطوطها العريضة ، ومفتاح بابها القبول بمرشح الحريري للرئاسة الاولى على ان تلي ذلك خطوات صارت معلومة ومن ابرز بنودها عودة الحريري الى المنصب الذي فقده بضربة سياسية قاصمة وجهت اليه في شتاء عام 2011 لحظة كان يهم بالدخول الى البيت الابيض، وهي ما زالت بالنسبة اليه علامة سوداء.

بري يعطي المسألة الان طابع العجلة والسخونة ، منطلقا من فرضية انها فرصة نادرة يتعين ألا نجعلها تمر مر السحاب. واكثر من ذلك فان في طيات الكلام اللاحق لبري ما جوهره ان من مميزات القبول بالتسوية المعروضة وعداً خفياً بالسعي مع المعنيين، وفي مقدمهم الرئيس الحريري، لاطفاء نار الغضب السعودي واعادة الامور تدريجا الى مربعها الاول كبند مضمر من بنود هذه التسوية. وابعد من ذلك، ثمة في ثنايا كلام بري نوع من التطمين للحزب بانه لن يتركه مستفردا، وقد تجلى ذلك في حديثه لاحقا عن المقاومة كثابتة لا يمكن الاستغناء عنها نظرا الى دورها التاريخي في مواجهة الاحتلال ولعدم انتفاء الحاجة اليها مستقبلا من دون ان يغفل الحديث عن الدور السعودي وضرورة ايجاد سبل للتواصل مع الرياض.

انها اذاً لمن يتقصى بواطن كلام بري عملية اغواء متكاملة الحلقات للحزب لاستدراجه الى التخلي عن مسلّماته المعروفة، خصوصا في الموضوع الرئاسي، لكي يشرع في خوض غمار تجربة تسووية جديدة على المستوى الداخلي اللبناني.

"حزب الله" ليس بطبيعة الحال في غربة عن هذه التوجهات والرؤى الجاهزة لدى رئيس المجلس حيال هذا الموضوع القائم اولا واخيرا على اسس مغايرة لتوجهات الحزب، فالمسألة لدى بري ليست تمنيات ونصائح بل هي مشروع بدأ يتصدى له ويروّجه مذ طُرح جديا اسم النائب سليمان فرنجية مرشح الحريري للرئاسة الاولى الشاغرة بديلا من مرشح 8 آذار الآخر العماد ميشال عون. فقد تناهى الى علم الدوائر المعنية لاحقا ان بري هو احد العرابين السريين لهذا الطرح المفاجئ في حينه وأحد الذين سرعان ما هللوا له قبل ان يتبناه الحريري ويطلقه مبادرة تحمل اسمه وتفعل فعلها حتى الساعة. ومذذاك ، اي منذ نحو ثلاثة اشهر، وبري لا يترك مناسبة الا يدعو فيها الى ضرورة تبني هذا الخيار وتلقف هذا العرض. وهو ما فسره العارفون بانه ينطلق من اعتبارات ثلاثة:

- انه تعويض عن حوار بالعمق مقطوع بينه وبين الحزب حيال هذا الشأن، لا سيما ان اياً من رموز الحزب لم يفاتح بري رسميا بالموضوع الرئاسي منذ اشهر عدة وفق معلومات.

- ان بري يبعث بكلامه هذا رسالة الى الحزب فيها من الضغوط الشيء الكثير وفيها ايضا تعبيرات عن الرغبة في تجنيبه تجرع كأس خيارات معينة قد تفرض عليه فرضا.

- ان بري يوحي لمن يعنيه الامر انه يحتفظ لنفسه بموقف متمايز عن موقف الحزب في ملفات عدة وانه يضع نفسه عموما خارج اصطفاف 8 آذار ، اي انه اقرب الى الموقع الوسطي.

ومن البديهي ان عرض الحريري الاخير والذي أتى متلفزا شجع بري على المضي قدما في ما كان شرع به وحضه على رفع الصوت عاليا في الافصاح عن خياراته من باب انه عرض لا يفوت وفرصة قد لا تتكرر ينبغي تلقفها قبل ساعة مندم.

وحيال ذلك فان السؤال المطروح هو: هل يمكن ان يأتي حين من الدهر ويمضي بري قدما الى خياراته القصوى حتى وان كانت على طرف نقيض من خيارات الحزب لا سيما في الموضوع الرئاسي؟ واستطرادا ما هو جواب الحزب عن عروض بري ، وهل ستكون مختلفة عن الاجابات السابقة المعروفة؟

استهلالا، لم يعد خافيا ان بري يعرف الحدود القصوى التي يمكنه ان يذهب اليها ومحاذير تخطيها لا سيما في المواضيع ذات الطبيعة الاستراتيجية. اما هل سيخرج الحزب عن صمته ويتفاعل مع تمنيات بري، فالجواب هو انه ليس خافيا على العالمين ببواطن توجهات الحزب انه لا يشاطر بري الرأي في ان عرض الحريري فرصة لا تفوت ، وبمعنى آخر لا يجد نفسه في عجلة من امره لتلقف هذا العرض والعمل انطلاقا منه. فالحزب لم يشفَ بعد من آثار، ونتائج، قبوله بعرضين سابقين كان بري من المشجعين والمتحمسين للقبول بهما والسير في مقتضياتهما، وان عرض الحريري واغراءات بري للتجاوب معه هي بالنسبة الى الحزب ليست مجزية خصوصا ان الحزب يعي تماما ان الحريري يلوّح بهذا العرض في لحظة تشهر فيها مرجعيته الاقليمية سيفها المصلت عليه فكأنما يريده ان يخاف وبالتالي ينصاع ويقبل بالامر الواقع، وهذا ليس من شيم الحزب ولا من تقاليد عمله السياسي.