&تتشابه ثيمات الروايات المرشحة.. و"مصائر" المدهون تفوز بالجائزة

نداء أبوعلي &

ظفر الروائي والصحافي الفلسطيني ربعي المدهون مساء الثلاثاء الموافق 26 أبريل 2016، بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية في دورتها التاسعة، عن روايته "مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ويعد المدهون وهو من مواليد عام 1945م، أول فلسطيني يفوز بالجائزة، وقد سبق أن ترشحت روايته "السيدة من تلّ أبيب" في عام 2010م لجائزة البوكر وكانت من ضمن القائمة القصيرة من الروايات المرشحة. وقد وصفت لجنة التحكيم المنظمة للجائزة الرواية بأنها تعد: "الرواية الفلسطينية الشاملة، فهي ترجع إلى زمن ما قبل النكبة لتلقي ضوءا على المأساة الراهنة المتمثلة في الشتات".&

وقد ذكر ربعي المدهون في مقدمة روايته بأنه: "لم يكن العمل على النص سهلا أو هينا، على الرغم من الحجم المتوسط للرواية. فالأحداث تجري في ست مدن فلسطينية لم أقم في أي منها، (وفي مدينة أوروبية وأخرى أمريكية وثالثة كندية). فيما وصف عملية إعداده لتقنيات الرواية المبتكرة إذ: "قمت بـ "توليف" النص في قالب الكونشرتو الموسيقي المكون من أربع حركات". "وتتوالف شخصياتها وأحداثها ومكوناتها الأخرى. وتكون ثيمات العمل التي حكمت كل واحدة من الحكايات، قد التقت حول أسئلة الرواية حول النكبة، والهولوكوست، والعودة".&

هل أصبح "واقع" العربي ضاغطا لدرجة تقلص فيها "الخيال" الروائي؟&

وقد جاءت الروايات الست المرشحة لجائزة البوكر من خمس دول هي مصر والمغرب ولبنان وسورية، إضافة إلى وروايتين من فلسطين، لتتعمق في قلب أزمة الهوية العربية والكوارث السياسية التي أدت إلى تشريد العديد والعيش في خارج أسراب الأوطان، ما ينعكس على تلك الأعمال الروائية. وعلى الرغم من ذلك إلا أنه يلاحظ أن غالبية الروايات تحكي حقبة زمنية سابقة أو مستقبلية بعيدة عما يحدث حاليا، وكأن في ذلك محاولة هروب وتناسي للوضع الراهن وإن استمرت الأعمال الروائية تدور في فلك الهم السياسي سواء حاضرا أم ماضيا.&

عطارد&

وقد تكون رواية "عطارد" للروائي المصري المبدع محمد ربيع أكبر منافس لرواية ربعي المدهون، والصادرة عن دار التنوير للطباعة والنشر، تفرّدا عن الروايات الأخرى بفكرتها المتميزة، وغرائبيتها التي تميل إلى العدمية وتسبح في فلك القنوط، فالرواية المستندة على تداعيات الثورة المصرية لعام 2011م حكت رؤية مستقبلية تغرق في المغالاة بالمشاهد الصادمة والصور الكارثية لتتدفق بالسوداوية، وتصيب القارئ بالدهشة حيال تطرّف العنف فيها والمبالغة في تصوير مستقبل حالك لعام 2025م. رواية "عطارد" اختلفت عن توجهات الأعمال الروائية الأخرى بعزوفها عن التطرق للسياسة والغوص في عالم افتراضي بديع.

&نيوميديا&

فيما تظهر روايات أخرى كرواية "نيوميديا" للروائي المغربي الشاب "طارق بكاري"، الصادرة عن دار الآداب، في أول عمل روائي له، والتي ترتبط فيها رحلة مراد الوعل الاستكشافية في العودة إلى موطنه ومدى علاقته بالمكان، ومدى ارتباط ذلك بذاكرة الماضي والحركات السياسية والتوجهات اليسارية في تلك الحقبة. وإن كان الهم الأكبر هو العشق المرتبط بشخصية مراد الدون جوانية.

&مصائر&

تميل رواية مصائر للروائي الفلسطيني المخضرم ربعي المدهون، إلى ذلك التصوّر الرومانسي للماضي والوقوف على الأطلال، وذلك بأسلوب سلس ولغة حالمة يسبح في فلك أزمة الهوية الفلسطينية والتغريب ومن ثم العودة إلى الوطن، وذلك باتخاذ أحداث نكبة 1948م مرتكزا للأحداث المتتالية، ولإيفانا الأرمنية الفلسطينية التي تتبع أحاسيسها وترتبط بشخص لا ينتمي لبيئتها ما يعرضها لإنكار المحيطين بخياراتها وهجرتها للخارج.

&مديح لنساء العائلة

&للروائي الفلسطيني محمود شقير، عن دار هاشيت أنطوان، ترتبط رواية محمود شقير برواية ربعي المدهون من حيث التطرق إلى أحداث نكبة 1948م، وإن كانت روايته تميل أكثر إلى التحولات الاجتماعية والسياسية عقبها والتي تأثرت عبرها بالمرأة الفلسطينية في الخمسينات والستينات لتبدأ رحلة تحررها ومواجهة رفض التغيير. وعلى الرغم من أن القصة الرئيسة متحورة حول عدد من الإخوة، ليظهر مديح نساء العائلة عارضا، وامتداداُ لقصص الآخرين.

&حارس الموتى

&للروائي اللبناني "جورج يرق"، صادرة عن منشورات الضفاف ومنشورات الاختلاف، وهي الرواية الثانية له، تتناول مآسي الحرب الأهلية اللبنانية من منظور مختلف يشي بمحاولة الهروب من الواقع، حيث يمتلك "عابر ليطاني" القلق النفسي والشعور وكأنه مطارد ومستهدف من قبل الآخرين. ويعمل في وظيفة أليمة مكانها ثلاجة الموتى، التي تنم عن مآسي الحرب والفساد المحيط بممارساته.

&سماء قريبة من بيتنا&

للروائية السورية شهلا العجيلي، وهي الروائية الأنثى الوحيدة المرشحة للجائزة، والرواية صادرة عن منشورات ضفاف، وتعود بأحداثها إلى مدينة حلب منذ القرن الـ 19، وتمتد بأحداثها إلى الوضع الرهن لتقارن الأوضاع السابقة بالوضع الحالي مما يحدث في الرقة، وفي المخيمات السورية. والتي اتخذت من المكان كما يظهر من العنوان ثيمة لأحداثها، وتشبيه حالة المرض المستعصية التي تتسبب في تآكل المدن بمرض شخصية جنان.

&وقد تفاوت التنافس بين الروايات المرشحة، وظهرت أعمال قوية برزت بأفكارها وحبكتها الروائية وأسلوب حياكتها كرواية عطارد ورواية مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة. وإن كانت هناك روايات أخرى استحقت الترشيح للقائمة القصيرة، أبرزها رواية السوداني حامد ناظر "نبوءة السقّا"، والتي اكتفت اللجنة بإبقائها من ضمن القائمة الطويلة. فالرواية حملت فكرة مختلفة تطرقت إلى الطبقية وطبقة المسحوقين المنعدمين من الأحفاد في قرية "عجايب" الإريترية والشخصيات المقهورة.

&في نهاية المطاف لم تخل أي رواية من التأزم الناتج عن القلق السياسي، عبر حقبات اعتبرت مفصلية في العالم العربي، سواء نكبة 1948م، أو الحرب الأهلية اللبنانية، وثورة مصر عام 2011، أو مجرد تطرق لحقبات مختلفة من التوجهات السياسية كاليسارية في المغرب، أو تجسيد تدهور الأمن كما يحدث في سورية.

&لم تخل الأعمال الروائية المرشحة للبوكر من الألم والقنوط من الوضع المحيط، حتى وإن كان التطرق إليه بأسلوب غير مباشر، فإن حضوره يظهر متخللا الأحداث ليطغى على الأجواء بثقل وهم. أو لتظهر حالة مستفحلة من البكاء على الأطلال والغوص في أزمة الهوية العربية. هناك أثر للغربة والتشتت والبعد عن الأوطان في عدد من الأعمال الروائية ما يعكس الوضع الراهن للأوطان العربية المتثاقلة بهمومها.