&

أتأمل في تاريخنا الحديث وأتساءل: كيف يمكن لدولة مثل مصر، سواء في عهد جمال عبد الناصر أو في عهد أنور السادات، أن ترسل رجالاً في شفافية إحسان عبد القدوس، أو محمود أمين العالم، أو صنع الله إبراهيم، إلى السجون؟ وما الخطر الذي كان يمثله محمود السعدني على الدولة، أو على الأرانب، أو على ساندويتشات الفول، حتى يُرسل إلى السجن؟

عندما أستعرض أسماء الكتّاب والشعراء والصحافيين الذين أدخلوا السجون، أقول في حزن: كيف أمكن ذلك؟ كيف يرسل صلاح عيسى إلى السجن مرتين؟ هل يمكن لأحد مثله أن يهدد دولة عبد الناصر إلى هذه الدرجة؟ ولماذا اختار عبد الناصر، الذي كان الأكثر شعبية في العالم العربي، أن يمارس التخويف؟ هل كان حقًا في حاجة إلى ذلك؟ وأنا أفهم أن السادات كان يعاني من نقاط ضعف ومخاوف وهواجس كثيرة، لكن هل كان الحل في أن يجمع الكتاب والنخب في سلة واحدة ويرميهم من النافذة؟ كيف يمكن أن يلجأ الرئيس الضعيف إلى خيار واحد هو الخيار اللامعقول واللامقبول؟ شكا مرة حسني مبارك إلى الصحافي موسى صبري كتابات إحسان عبد القدوس، فقال له: «تريدني أن أفاتحه في الأمر»؟ فسارع مبارك إلى الرد: «إطلاقًا. سيبوه يكتب زي ما هوه عاوز».

ومبارك هو الرئيس الذي قال له السيد أوباما: «ارحل أمس» وكأنه حاجب في المكتب البيضاوي. وخلال ثورة يناير لم يكن من الممكن مخاطبة أهل ميدان التحرير بالتروي قليلاً لكي لا نتهم بالفلول. وأنا من الذين امتعضوا عن بعد مليون ميل من دلال جمال مبارك، ومن سلوك سوزان الإمبراطوري، لكن كان يجب أن نحفظ لحسني مبارك أنه أغلق السجون الصحافية والثقافية، وحتى السياسية في مصر. وأنه أكثر زعيم تحمل النقد في العالم العربي. بل أصغى بكل طول بال إلى الرئيس بشار الأسد يحاضر الزعماء في معاني السياسة والقومية العربية.

حرام على القضاء المصري أن يمضي في إهانة هذا الرجل.

&

&

&