&هوامش الأسفار ولطائف الأخبار: «موعد نفرتيتي»
&

سمير عطا الله
&

مضت الأيام على شيء من الحزن في بهو «عمر الخيام» وفي حديقته. وكنت كلما شاهدت عبد الحليم صامتًا، تذكّرت الشجون التي يحركها في كلما غنّى «أهواك»، التي لم تتعدّ في مغامرتي البائسة، سوى أنها أسطوانة جميلة من فيلم لا من حقيقة.
لكن، ذات يوم، خُيل إليَّ أنني عثرت في ديار العندليب على ما يعوّض الحب الذي ضاع بين بيروت والقاهرة. لم نكن قد عرفنا بعد الهواتف النقالة، أو الجوالة، أو التي يقل وزنها عن طن. وكانت بدالة الفندق صلتنا بالعالم. وذات يوم طلبت عاملة الهاتف أريد رقمًا في بيروت. وجاءني صوت كأنه صوت نفرتيتي. أو فاتن حمامة. أو بالأحرى، هند رستم.


نسيت أنني طلبت المكالمة، وجلست أفكر في نفرتيتي، وبعد قليل رنَّ الهاتف وقالت نفرتيتي: «أفندم، معاك بيروت، تفضل اتكلم». معاي بيروت يا هانم؟ معايا الدنيا وكوكب عطارد. بعد انتهاء المكالمة اتصلت أتشكر، فجاء الرد كأنه خارج من خابية عسل «أمرك يا سيدي». هل هو «سيدي» الذي – أو التي – يغني له الجار العزيز، عبد الحليم؟ «يا سيدي أمرك، أمرك يا سيدي». أفقت في اليوم التالي أفكر في ذريعة أطلب فيها «السنترال». لكنني لم أكن أملك ثمن مكالمة أخرى إلى بيروت. ولست أعرف أحدا أطلبه في مصر. وأخيرًا قررت أن أتشجع وأستعلم عن أفضل مكان للعشاء. «أفندم»، قالت نفرتيتي. قلت: آسف للإزعاج، لكن معرفتي بالقاهرة ضئيلة. أريد اسم مطعم يقدم الزغاليل المشهورة. اختنق صوتي وهبط ضغطي، عالية وواطية، وأجبت بصعوبة أنني لسه ما رحتش.
سرعان ما لم تعد هناك حاجة إلى ذريعة. وصرت أمضي نصف الوقت على التلفون بدل أن أمضيه على النيل. وبعد محادثات شاقة، اتفقنا أن نلتقي على الناصية قبالة بياع الزهور عم أحمد. وشرحت نفرتيتي خريطة الطريق. وبقي سؤال مهم: «كيف أعرفكِ». وصدحت من كعب الخابية: «ما هوه حضرتك أنا قليِّلة، ولابسة فستان بيج يعني».
بعد انتهاء الدوام اليومي في مركز بدالة «عمر الخيام – الزمالك» تبعتُ خريطة الطريق إلى زهور العم أحمد. أيها الخافق المعذب.. يا قلبي. وقفت أمام المحل وأنا أخاف أن ينتقل، أو أن تغيّر «القليِّلة» رأيها أو طريقها. ورحت أنتظر أن يأتي الربيع الطلق يختال ضاحكًا. ولم يطل بي الانتظار. ها هي تغنج صوب بياع الزهور العم أحمد. والفستان بيج يعني، والسن من عمر نفرتيتي.
إلى اللقاء..
&

&