&عبدالله بن بجاد العتيبي

الحالة الإسلامية في تركيا حالة مختلفة، لها سياقات وتاريخ وتحالفات وتخاصمات تميزها عن غيرها، ومن هنا فالمشهد التركي ليس قابلاً للمقارنة مع غيره بشكل مطلق، هذا لا يلغي التشابهات في القضايا الكبرى والتوجهات العامة، ولكنه لا يجعل منها قاعدةً وأساساً.&

وما جرى في تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل أمر يثير الكثير من الجدل، فحركات الإسلام السياسي قاسية وشرسة حين تتولى السلطة، رأينا تجربة إيران مع قسوة حكم الملالي، وتجربة السودان مع حكم الترابي و«الإخوان المسلمين»، وكذلك ما صنعته «طالبان في أفغانستان وحركة حماس في غزة، واليوم ما تصنعه أحزاب الإسلام السياسي في العراق وميليشيا الحوثي التي تمثل شكلاً من الإسلام السياسي الزيدي في اليمن.

في تركيا اعتقالات قاربت العشرين ألفاً وفُصل الآلاف من وظائفهم وقُطعت أرزاقهم، وقد كانت حركةً شاملةً، وكان التصعيد غير منطقي، فتم اتهام ضباط كبار في الجيش وتسريحهم، وكذلك في الشرطة وكان غريباً أن تطال يد الحكومة الآلاف من القضاة والعشرات من الصحفيين وأساتذة الجامعات، ودفع كثير من الأتراك ثمن الصراع بين تيارات الإسلام السياسي في تركيا بين حزب أردوغان وجماعة غولن.

الغريب في الحدث التركي هو التفاعل الواسع من «إخوان» الخليج ورموز الإسلام السياسي فيه، هؤلاء يناصرون أردوغان لا تركيا، لأنهم يرون فيه «نموذجاً» يجب أن يُحتذى في الحكم، ولو قيل لأحدهم هل ترضى أن يطبَّق في بلدك ما يطبقه أردوغان في بلده؟ لأفتى بتكفير أي شخصٍ يحاول أن يطبق بعض لا كل ما يطبقه أردوغان، وهذا تناقض، ولكن الإسلامويين لا يجدون عيباً في التناقض، هذا تاريخهم وهذه تجربتهم.

شاب خليجي يظهر في مقطع وهو يتحدث عن إيقاف دبابة في إسطنبول، وشابة خليجية تغني في حفلٍ لأنصار أردوغان، ولئن كان الأول يعجب الثوريين من أنصار الإسلام السياسي فإن الثانية تعتبر قد ارتكبت كبيرة من كبائر الذنوب عندهم، ولكنها سكرة السلطة والدفاع عن «النموذج» والانتصار لفكرة «الخلافة» لا الدولة الوطنية الحديثة.

بلغ من سخرية الحدث أن تجرأ أحد رموز الإسلام السياسي في السعودية في إسداء نصيحةٍ مباشرةٍ لأردوغان بتطبيق الشريعة وتغيير هوية تركيا مرةً وإلى الأبد، فما كان من أحد أشهر مؤيدي أردوغان إلا أن أهانه وشتمه بكل وقاحةٍ كما لو كان والياً تركياً يقرع عربياً ويذلّه إبان الاستعمار العثماني الذي حاربه رموز النهضة العربية طويلاً مطلع القرن الماضي.

خاض إسلاميو تركيا طريقاً طويلاً مع الجيش ومع الشعب، وعانوا ولم يزالوا يعانون من سطوة وحضور شخصية وإرث مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، منذ «النظام الوطني» و«السلامة الوطني» وصولاً إلى حزب «الرفاه» ثم «الفضيلة» ثم «السعادة» وليس انتهاءً بانشقاق تلاميذ نجم الدين أربكان عنه في 1997 وتأسيس حزب «العدالة والتنمية».

ولكن لماذا انحاز إخوان الخليج إلى أردوغان وانقلبوا ضد غولن؟ قبل الإجابة ينبغي أن يعرف القارئ أن لكثيرٍ من هؤلاء مدائح مطولةٌ في حركة غولن بوصفها حركة دعوية سياسية سرية، أي بوصفها أشبه ما تكون بتنظيماتهم ولكنّها حين اصطدمت بأردوغان وأنصاره فقد اصطدمت بالحلم النهائي الذي يفتشون عنه والذي يملأ أيديولوجيتهم وخطابهم وشكّل لعقودٍ طوال أسمى الغايات ونهاية الأمنيات.

يبدو أن أردوغان يسعى ليكون «أتاتورك» جديداً في تاريخ تركيا، فهو يسعى لتركيز كل السلطات في يده، ويسعى لتغيير هوية تركيا الحديثة، وهذا شأن تركي خالص ينازعه فيه الأتراك تأييداً ورفضاً، ويبقى لغيرهم القراءة والتحليل كلٌّ من زاويته، ولكن المعضلة الكبرى هي تناقض إخوان الخليج في تأييد شخص أردوغان ورفض كل ما يمثله من علمانية الدولة إلى بقية المحظورات التي يحرمونها على العرب والمسلمين ويباركون أردوغان حين يفعلها.