&سمير عطا الله&&&

في التاريخ العسكري مصطلح هو «الانتصار البيرهوسي» أي الذي كلفته أضخم بكثير من أهميته. وأصل القصة أن جنوب إيطاليا تعرضت لهجوم كاسح من قوات روما، فما كان من أهل الجنوب إلا أن طلبوا مساعدة أمير إغريقي يدعى بيرهوس.

جاء بيرهوس ومعه فرقة من الأفيال التي تعلّم اليونانيون المحاربة بها على أيدي الهنود منذ حملة الإسكندر الكبير. وبالفعل، استطاع بيرهوس صدّ الفرق الرومانية وإلحاق الهزيمة بها. لكن الثمن كان كبيرًا جدًا، حتى أنه قال: «انتصار آخر من هذا النوع ونخسر كل شيء».

بيرهوس الروسي في سوريا، أحضر معه بدل الأفيال طائرات السوخوي. ولا شك أنه يحقق منذ عام تقريبًا، مكسبًا تلو الآخر. فالأفيال الجوية لها تفوق حاسم في مثل هذه الحروب. وعندما جلس وزيرا خارجية أميركا وروسيا يتفاوضان على معايدة السوريين بوقف الذبائح البشرية، كان الفيل الروسي يشعر، بالتأكيد، بشيء من الفوقية. يزيد في هذا الشعور النبيل أن سوريا برمّتها مسحوقة إلى رماد ورُكام، بين الأيدي القابضة على عنقها. وهذا ما جعل الرئيس السوري يُعلن بعد خروجه من صلاة العيد في داريا، أنه سوف يستعيد جميع المناطق «من أيدي الإرهابيين» ولا يزال السيدان كيري ولافروف يعملان بكل جدية، لتعريف معنى «الإرهاب». وهو ما أمضت الأمم المتحدة سنوات طويلة في تعريفه، كأنما الأمر خلاف على الصياغة، وليس على ملايين البشر. وإلى اللحظة، لم تقرر حضرة المنظمة الدولية ما إذا كان الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. هو بأل التعريف أو من دونها، أي كاملة أو مسروقة.

كان المشهد الأخير من التفاوض على الهدنة في سوريا بين السيد كيري والسيد لافروف تحقيرًا للإنسانية جمعاء. وليست هذه المرة الأولى التي تُطحن فيها الشعوب المسحوقة بين قبضتي الدولتين الكبريين، ولكنها الأكثر بشاعة ووضوحًا، ففيما كانا يتفاوضان، لم تكفّ صور الأطفال عن الظهور وهم يخرجون من تحت الخرائب، والأمهات وهن ينتحبن فوقها.. ولا شك أن هؤلاء الإرهابيين سوف يُعيدون المناطق، ذات يوم، مدمّرة مرمدة مرملة مجبولة بالدماء، إلى القائد العظيم بيرهوس الذي هب لمساعدة النظام، حيث أصبح رئيسه متأكدًا من استعادة أشلاء سوريا إلى إمرته.

أتساءل أحيانًا ما الذي يفعله جون كيري في قاعات التفاوض؟ وماذا يحمل السنيور دي ميستورا على البقاء في محكمة ليس فيها سوى شهود الزور؟ ولماذا لا يقف شجاع واحد من بين هؤلاء المُنخرطين في الأمل الخادع، ليُعلن أمام الشعب السوري أنه، أي المسؤول، تاب ويستقيل. مأساة لا يتحمل حجمها أحد. ولا تغطيها ثرثرة الروسي الخبيث والأميركي البسيط.

&&