عبدالله بشارة&

أقرأ ما يوفره مركز الدراسات والأبحاث بقيادة الدكتور عبدالله الغنيم المتابع والملاحق لكل ما يهم الكويت من كتب ودوريات، لا سيما ما يصدر من الجامعات العراقية حول تاريخ الكويت بما فيها الأطروحات لنيل الدكتوراه وغيرها، وكلما زدت في القراءة، زاد أسفي على عجزنا عن إعداد سجل موثق وشامل عن تاريخ الكويت، لا سيما في القرن العشرين الذي تتواجد حوله آلاف الوثائق البريطانية والأميركية، وهي مفتوحة لكل من يريد.

في الأسبوع الماضي، قرأت كراسا عن وسائل تطبيع العلاقات العراقية – الكويتية، أعده الاستاذ الدكتور سرحان غلام حسين، سعى فيه الكاتب إلى الالتزام بالموضوعية ومراعاة شروط الاعتماد في المصادر المدونة، واستعان بمصادر معظمها عراقية، مع إشارات إلى ما أصدره – أحمد مصطفى أبو حاكمة – عن تاريخ الكويت الحديث.

يهمني الفصل الخاص بالعلاقات بين 1921 – 1958، الذي يضم الأوراق التي غطت عهد الملك فيصل الأول وابنه الملك غازي، ثم عهد فيصل الثاني.

لم تدون هذه الفترة وفق القواعد الموضوعية، ولم يتم الالتزام بالمهنية، وكثير مما سجل عنها جاء من أقوال تنتقل من مكان إلى زوايا أخرى فيها الاضافات وفيها المبالغات وكثير من التشويهات. ولا يوجد مصدر يمكن الاعتماد عليه كوثيقة أمينة في نقل الأحداث، نزيهة من الاضافات وخالية من النزعات.

يقول الكاتب: «حصلت أزمة بين البلدين في عهد الملك غازي بداية عام 1939 عندما اشتدت الدعاية من جانب الحكم الملكي في العراق لربط مشيخة الكويت بالعراق، فأخذ كثير من الشباب الكويتي يتوجهون إلى العراق، فيما أقدم الملك غازي على توجيه بث خاص من إذاعته في قصر الزهور، للدعاية والتحريض ضد مشايخ الكويت من آل صباح، وسرعان ما تكونت نواة لحزب سياسي، أو ما يمكن أن نسميه تيارا قوميا من الكويتيين من داخل الكويت، كذلك صوّت المجلس التأسيسي الكويتي للانضمام إلى العراق بأكثرية عشرة أصوات من أصل أربعة عشر صوتا، فأعلنت حكومة الشيخ أحمد الجابر حالة الطوارئ في البلاد، والقاء القبض على بعض من أعضاء المجلس التأسيسي، فأصابت حالة من الفوضى الشارع السياسي الكويتي، وكان الملك غازي متحمسا لقضية الكويت، وإن أكثر السياسيين العراقيين تأييدا للملك غازي وموالاة له في موضوع الكويت هو رشيد عالي الكيلاني، رئيس الديوان الملكي، بل وصل الأمر إلى أن كلّف الملك رئيس الأركان آنذاك الفريق حسين فوزي بإنذار الجيش، وعليه يبدو أن الملك أصبح بهذا التوجه يشكل خطرا على مستقبل الكويت السياسي، كما أنه مصدر للمتاعب تجاه السياسة البريطانية في الوقت نفسه، وأكثر من ذلك هو إصدار أمر لاحتلال الكويت لولا تدخل ناجي شوكت، نائب رئيس الوزراء لدى الملك بالعدول عن هذه الخطوة لحين دراستها بشكل جيد من قبل الحكومة، إلا أن الملك غازي قتل في ظروف غامضة ولم يحقق شيئا يذكر في هذا المجال تجاه قضية الكويت».

لم يحدد الكاتب العراقي المصدر الذي اعتمد عليه في تأكيده لتصويت المجلس التأسيسي الكويتي للانضمام للعراق، هناك مصدران، الأول الوثائق البريطانية، والآخر هو ما تركه المرحوم خالد العدساني، وليس فيهما تدوين لهذه الواقعة، وقد اطلعت على كل ما دونه المرحوم خالد العدساني وتحدثت معه كثيرا عن تلك الفترة، كان ينكر بقوة التوجه للاتحاد مع العراق، ربما أراد توظيف أطماع العراق لتحديث الوضع السياسي في الكويت، وطبعا هذه لعبة خطرة، تختلف عن واقعة تصويت المجلس التأسيسي.

توفى الملك غازي، بعد أن خرج من قصره ليقود سيارته بسرعة جنونية، ولم يستطع تفادي الصدمة بعمود النور، ولم تكن ظروفها غامضة، ولم يكن للانكليز دور فيها، ولم يتآمروا عليه لحماسه الوطني.

هذه مجرد أمثلة تمس حقائق الكويت التي لا يجد الباحث الجيد توافرها في مدونة معتمدة لا تترك مجالا للعبث بمسيرة الكويت منذ ولادتها.

&