زياد الدريس

في نهاية دوام يوم الجمعة الماضي ٣٠ كانون الأول (ديسمبر)، اختتمت مهمتي طوال العشر سنوات الماضية مندوباً دائماً للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو.

لم يكن سهلاً العمل في هذه المنظمة النخبوية لمن يريد حقاً أن يمثّل وطنه وثقافته، لكنه سهلٌ جداً لمن يريد أن يكون مندوباً دائماً فقط.

تعلمت في اليونسكو أموراً كثيرة، منها ما تموضع في الوعي فأستطيع كتابته، ومنها ما انزوى في اللاوعي فهو عصيٌّ عن الكتابة.

وممَّا تعلمته في اليونسكو:

} على الديبلوماسي، إذا تأخرت عليه التوجيهات... أن يعمل وفق التوجّهات.

} السياسة هي أن تكذب حتى يصدّقك الجمهور، الديبلوماسية هي أن تكذب حتى تُصدّق نفسك!

} ‏أقوى رد على الأقوال الكاذبة هو الأفعال الصادقة.

} تعلمت في اليونسكو، من مخالطة الناس يومياً بمختلف أجناسهم وأديانهم وأشكالهم، أن لا أكره بسهولة... لكني أحب بسهولة.

} تربيتي التعددية، مع أبي ثم في اليونسكو، تمنعني من الإيمان بنظرية تفوّق جنس على جنس، فكيف بتفوّق جنسية على جنسية؟!

} جميلٌ أن تحب الشعوب أوطانها، لكن الأجمل أن تحب الشعوب بعضها، وقبيحٌ أن تكره الشعوب بعضها، لكن الأقبح أن تكره الشعوب أوطانها.

} الكراهية لا تبني إنساناً سويّاً... فكيف تبني وطناً قوياً!

} ثقافتنا العربية تخسر مرتين:

‏الأولى: حين يمتنع القارئ النهم عن الكتابة.

والأخرى: حين يتوقف الكاتب النهم عن القراءة.

} ‏المدخل الحقيقي والفعّال لرفع مكانة اللغة العربية، ليس في كثرة مديحها، بل في كثرة استخدامها.

} لغتنا العربية تحتاج مؤسسة قوية كالمنظمة الفرنسية (الفرانكفونية) قادرة على اتخاذ قرارات تطويرية جريئة، وليس مجامع لغوية مشتتة، ومتنافسة أحياناً!

} إلى محترفي جلد الذات وإلى هواة جلد الآخر:

‏تاريخنا مثل تاريخ أيّ أمة أخرى، مليء بالحكايات الدعائية من محبّيه، وبالتشويهات والتلفيقات من أعدائه.

} ‏العالم الذي تقوده المنافع لا يُشغل نفسه بإحقاق الحق، بل يشتغل على إحقاق الباطل.

} الديموقراطي حين يشتهي في لحظةٍ ما التخلّي عن قيم الديموقراطية، فإنه يتحول الى كائن أكثر وحشية من الديكتاتور!

} المؤشرات تقول أننا مقبلون على عالم أكثر عنفاً، وجوائز نوبل للسلام قد تُحجب في الأعوام المقبلة أو تتحوّل من جوائز إلى هدايا!

} أتساءل كثيراً: هل ازداد العالم جنوناً... ‏أم ازداد الجنون تعولماً؟!

} إذا كان من حق كل مقاتل أن يزعم أنه هو الذي سيصنع السلام... فإن من حق كل مقتول أن يزعم أن موته سيصنع الحرب.

} همجية «داعش» ووحشية الروس وانتهازية الأميركان هي الركائز التي تصنع الصور النمطية في العالم الآن.

} ‏لكل ديانة وثقافة ودولة «داعشٌ» خاصٌ بها، وإن تنوعت الأزياء واللغات!

} الإنسان لا يكون سويّاً في حالتين فقط: في حالة الهزيمة وفي حالة الانتصار!

} نحن نقاتل في الخارج، ‏ونتقاتل في الداخل.

} ‏العدو الداخلي يُفرّق، ‏العدو الخارجي يوحّد.

} ‏(لعبة) الديموقراطية تحتاج إلى ثقافة تكتّلات لا ثقافة ملاعب، وإلى جماهير لا إلى مشجعين، وإلى وعي سياسي لا إلى وعاء تحريضي.

} المثقف والتاجر والفنان واللاعب كلهم أصبحوا سياسيين الآن، ‏والسياسي تحوّل إلى مثقف وتاجر وفنان ولاعب!

} إذا كانت القضية الفلسطينية قد فقدت تعاطف مئات من العرب، الذين سئموا طول التعاطف! فقد كسبت بشجاعتها المستديمة ملايين المتعاطفين من الشرق والغرب.

} ‏ليس من المنطق مقاومة محاولات اليهود تهويد القدس بمغالطة أخرى من نوعية أسلمة القدس. إنها مدينة الديانات الثلاث.

} إذا تحدّثنا عن كيفية استرجاع فلسطين، فإنه ليس صحيحاً دوماً قانون: ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.

} ‏التاريخ تصنعه الجغرافيا!

} ليست كل القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية (حبراً على ورق)، أحياناً هي رصاص على ورق!

} مهما سعيت الى المسالمة والبعد من إيذاء الآخرين، سيتم جرّك يوماًَ الى خوض معركة، انتصارك فيها وفق معاييرهم هو هزيمة لك حسب معاييرك.

} تفاعُلنا مع الاستفزازات يشبه تفاعلنا مع قرصة البعوض، فكلما حككناها ازدادت تهيجاً واحمراراً ثم ازدادت رغبتنا في المزيد من الحكة (الاحتكاك)!

} الحل الوحيد للإنسان كي يتخلص من أعدائه ويحافظ على أصدقائه، أن يتحول إلى «إنسان عادي»، ذلك الذي لم يذق طعم النجاح أو الفشل في حياته، ولم يحاول ذلك.

إنه حلّ «بغيض»، لكنه الحل الوحيد.

} حرية الشتم ليست جزءاً من حرية الرأي، بل هي جزء من أدوات العنف.

} كأن العالم بدأ يضجر من (الخفّة)، خفّة العولمة!...

ها هو يعود إلى الأغاني الكلاسيكية والمطاعم الشعبية والأزياء الوطنية.

} (القدوة) هو: الإنسان المنضبط أخلاقياً، المُنتج والنافع اجتماعياً، سواء كان واعظاً أو لاعباً أو طبيباً أو مثقفاً أو فناناً.

} إذا أردت أن تقيس قوة دولة من خلال حراكها الديبلوماسي فلا تقسها في مجلس الأمن، حيث الڤيتو النخبوي، بل قسها في المنظمات الدولية الأخرى الكاملة الديموقراطية.

} نردد لسنين أن المنظمات الدولية ما هي إلا لعبة، بات واضحاً الآن لمن يتابع ما يجري أخيراً فيها، أن المنظمات الدولية ليست لعبة... بل هي ملعب.

والآن، أعترف بأني أخرج من منظمة اليونسكو بغير العقل الذي دخلتها به قبل عشر سنين، ومن لم تغيّره اليونسكو فهو عصيٌّ على التغيير!