ماجد كيالي

تحت عنوان «نداء إلى شعبنا السوري من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية»، أصدر معارضون سوريون ما يمكن اعتباره بمثابة وثيقة تعبر عن وجهة نظرهم، أولاً، بخصوص إقدامهم على إجراء مراجعة نقدية لمسارات الثورة السورية. وثانياً، بخصوص تقديمه رؤيتهم حول سبل تصحيح هذه المسارات أو تصويبها، على مختلف الأصعدة. وجاءت هذه الوثيقة على أبواب العام السابع لاندلاع ثورة السورين، ورداً على ادّعاء هزيمتها، وتأكيداً على أهدافها المتمثلة بإنهاء نظام الاستبداد والفساد، ومن أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية والعدالة والدستور، واستعادة الدولة.

في المراجعة النقدية دعا مصدرو الوثيقة الى القطيعة مع ما رأوا أنه بمثابة أوهام ومراهنات طبعت الثورة السورية بطابعها، لا سيما أن هذا يحدث بعد تجربة ستة أعوام تقريباً، وقد تبيّن قصورها وإخفاقها، بحكم المآلات المأسوية التي وصل إليها الصراع السوري، بعقلية اتسمت بالجرأة، من دون مكابرة أو إنكار.

من أبرز هذه الأوهام أو المراهنات التي رصدتها الوثيقة وطالبت بالقطيعة معها، مثلاً، الارتهان في التعويل على الخارج، وحصر العمل لإسقاط النظام بالعمل المسلح وبالضربة القاضية، وتعويم جبهة النصرة بدلاً من القطع معها، ووهم المناطق المحررة، وسيادة الخطابات الطائفية والدينية والهوياتية، وقصور المعارضة وعجزها عن إدارة الصراع وعن تمثيل السوريين.

أما في ما يتعلق بالمهمات أو التحديات فتحدثت الوثيقة عن ضرورة استعادة خطابات الثورة الأساسية المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة، وبناء كيان سياسي جمعي، وبلورة تيار وطني ديموقراطي، وانتهاج وسائل كفاحية عقلانية تتناسب مع إمكانات الشعب، وتمكن من الاستثمار السياسي ومن مراكمة الإنجازات، وإعادة بناء كيانات الثورة السياسية والعسكرية والمدنية على أساس صحيحة، تخدم الهدف، وحل المسألة القومية في إطار الثورة الوطنية الديموقراطية، وإقامة علاقات مع العالم على أساس التمسك بحقوق السوريين واستقلالية قرارهم الوطني، والتساوق مع قيم الحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، هذا إلى جوانب مسائل أخرى.

لم تأتِ الوثيقة ـ المراجعة على شكل بيان مختصر أو مكثف وإنما جاءت على شكل نص طويل، من حوالى 4000 كلمة، ربما فرضته تعقيدات ومداخلات الصراع السوري، وطول التجربة، ومشكلاتها، ويأتي ضمن ذلك الشعور بالحاجة إلى الإجابة عن مختلف الأسئلة المطروحة، وضرورة بلورة مراجعة نقدية للتجربة السورية، بما لها وما عليها، وتالياً طرح رؤية أو تصورات جديدة للثورة في مواجهة التصورات القاصرة او الخاطئة أو الأحادية التي سادت وهيمنت طوال المرحلة الماضية.

تضمنت الوثيقة أطروحات أو أسئلة مهمة ضمنها، مثلاً: «هل تستطيع المعارضة أن تقول إنها نجحت في إدارة أوضاعها، وفي إدارة الصراع ضد النظام؟ أو هل هي تعتقد أن الاستمرار على الطريق ذاتها، وبالبنى والمفاهيم نفسها، سيوصلها إلى الهدف المنشود؟ وهل قدمت أقصى وأفضل ما عندها؟ أم أن ثمة ثغرات كبيرة، تفترض منها إجراء مراجعة ومحاسبة لتطوير أحوالها وأدائها؟». ثم «هل كان من المحتّم أن تذهب الثورة إلى الحد الأقصى، في كل شيء، في الخطاب وأشكال العمل والمرتجى؟» وأنها ترى في «خروج السوريين إلى الشوارع، ونزع الخوف من قلوبهم، ثورة في حد ذاتها، من دون ترك الأمور تصل إلى ما وصلت إليه، كأن يعدّ ما حصل، في العام الأول، كمرحلة من مراحل الثورة، أو تجربة، أو محطة على طريق محطة ثورية آتية، مثلما حصل في تجارب الشعوب الأخرى».

وإلى جانب حديث الوثيقة عن بناء كيان سياسي جبهوي ـ جمعي للسوريين يعبر عنهم ويمثل كل مكوناتهم، ويقود كفاحهم، فهي تحدثت أيضاً عن ضرورة بلورة تيار وطني ديموقراطي وفق خطوات مدروسة ومتدرّجة، ووفق رؤى سياسية تبرّر وجوده وتعبّر عن هويته.

طبعاً ثمة ملاحظات على الوثيقة، على رغم أهميتها، إذ لا يوجد نص نهائي أو كامل، أو لا يقبل النقد. هكذا يأتي ضمن هذه الانتقادات أو الملاحظات أن هذا العمل ـ النص النقدي تأخّر كثيراً، فمن المفهوم أن معارضين كثراً وجهوا انتقادات كثيرة للثورة وخطاباتها وأشكال عملها وبناها القاصرة، طوال السنوات الست الماضية، إلا أن هؤلاء لم يعمدوا ولا مرة إلى بلورة وجهة نظر جماعية بهذا الخصوص، وهذه سابقة تحسب للوثيقة، إلا أنها لا تعفي هؤلاء المعارضين مسؤوليتهم عن هذا الخلل.

أيضاً، لم تناقش هذه الوثيقة مفهوم الثورة بحد ذاته، وما إذا كانت الحالة السورية ما زالت تتطابق مع هذا المفهوم، رغم خروج معظم الشعب من دائرة الصراع مع النظام، بحكم الحصار وواقع التشرد واللجوء، وانحصار الصراع مع النظام بالفصائل المسلحة، وغلبة الصراع الدولي والإقليمي على سورية على الصراع في سورية بين النظام والشعب أو غالبية الشعب. في هذا الإطار قد يصحّ الحديث عن فكرة الثورة أو روح الثورة أو شرعيتها، مثلاً، كممر ضروري للتخلص من نظام الاستبداد، لكن الحديث عن الثورة في ظل الواقع الراهن، الذي تحدثنا عنه، قد يبدو في حاجة إلى مراجعة أو إلى توصيف أكثر أكثر دقة، بعيداً من العواطف والرغبات. هذا مع علمنا أن الثورات تأتي بالشكل الذي تأتي عليه، وأنه لا يمكن هندستها، ولا التحكم بتداعياتها، وأنها تأتي وفق مستوى التطور السياسي والثقافي والاجتماعي للبلد المعني.

من الملاحظات التي يمكن أخذها أن عدداً من الموقعين عليها ما زالوا أعضاء في إطارات المعارضة التي ينتقدونها، وهذا ينم عن تناقض، الأمر الذي يفترض توضيحه أو حسمه.
ش
أخيراً، يأتي السؤال التقليدي «ما العمل؟»، ومع أن «الوثيقة» تحدثت عن مهمات عدة إلا أن المطلوب منها أن تكون أكثر تحديداً في التعاطي مع هذا الأمر، والتوضيح بخصوص الخطوة التالية، أي الخطوة العملية التي ينبغي الانتقال إليها، بعد هذه الخطوة النظرية أو التأسيسية إن جاز التعبير، وكثر بانتظار ذلك. وبالتأكيد المطلوب وجهات نظر نقدية من التيارات السياسية الأخرى، إذ لا يمكن القبول بأن التقصيرات والثغرات والاخفاقات في الثورة السورية، ليس لها أب أو أن تسجّل ضد مجهول، مع تأكيدنا أن العوامل الدولية والإقليمية لعبت دوراً كبيراً في إضعاف هذه الثورة والتلاعب بها وحرفها عن مقاصدها.


* كاتب فلسطيني / سوري