سمير عطا الله

حيثما أجد كلمة عن سعد زغلول، أقرأها. لم نعش في عصره، لكننا جميًعا عشنا في عبق ذلك العصر، كل مسعى استقلالي في العالم العربي كان مفتوًنا بانفلاج الذي صار زعيًما. الزعيم الذي صار أبا الأمة، وبيته صار بيت الأمة، وزوجته صارت أم المصريين. بقي ذكر سعد مخلًدا من دون نقاش. من دون اعتراض. من دون «أجل.. ولكن». 

من دون محاسبة لاحقة. من دون ندم على شيء. أقرأ في كتاب للبريطاني أيفور إيفانز (1926) بعنوان «لقاءات». زار سعد في القاهرة نحو عام 1920 كماُيفهم من النص. وبعد قليل من الانتظار في مكتبه، دخل الرجل، محني الظهر وعليلاً. لكنه كان مع ذلك، أعظم المصريين مهابة على الإطلاق، معتمًرا طربوًشا مائلاً إلى درجة ممكنة. ولقد تركت سنوات نضاله الطويلة آثارها على وجهه الذي بدا عليه التعب. لكنه لم يفقد حيويته وزخمه الوطني. ها هو صاحب أعظم شخصية في مصر، والرجل الذي يحمل في ذاته كل تاريخ المصريين في العقود الأربعة الماضية.

بعد سعد، قابل إيفانز غاندي في الهند. غير أنه كان أكثر إعجاًبا بالزعيم المصري الذي اجتمع إليه ساعتين. تحدث سعد في كل شيء. كل سؤال كانت له إجابة. لكنه تجاهل الموضوع عندما قال له البريطاني إن معَّدل وفيات الأطفال في البلاد يتجاوز 30 في المائة، وهي نسبة مقلقة جًدا، ومع ذلك فإن نسبة الزيادة في عدد السكان مقلقة أيًضا. ما الحل؟

قبل مدة، كتب لواء متقاعد في الجيش المصري رسالتين إلى الأستاذ «نيوتن» في «المصري اليوم»، الذي تعتبر زاويته مرسى العقل والحكمة، والغيرة العلمية على مصر. لفت نظري أن اللواء يثير في منبر وطني، باسمه الصريح، مسألة وجودية يتجاهلها الجميع، لكي لا تحترق بنارها أصابعهم. يقول في الرسالتين ما خلاصته أن مصر لا يمكن أن تصل إلى حل إنساني لمشكلاتها إذا أصرت على تجاهل تنظيم الأسرة.

قرأت اللقاء مع سعد زغلول، وِرسالتي الضابط المصري المألوم، بمنتهى المصادفة، في يوم واحد. اللقاء مع أبي المصريين عمره نحو قرن وعقدين. والمشكلة تزداد فداحة، أولاً، كما لاحظها بريطاني زائر، قد نشكك، كالعادة، في نياته. ولكن الآن في نداء عاقل يوجهه ضابط مصري ليس في إمكان أحد أن يشكك في نياته ومقاصده أو أن يناقش منطق الدراسة التي يبني عليها.

طبًعا أعرف محاذير الدعوة إلى تنظيم النسل. لكنني أعرف أيًضا أنه ظلم خاصوعام أن ندعو إلى هذه الدنيا أطفالاً لا بيت لهم، ولا رغيف، ولا مدرسة، ولا عمل. الهند مليار إنسان. لكن الذين يصنعون منها دولة كبرى لا يتجاوز عددهم 20 في المائة. هؤلاء هم قواها الاقتصادية والتجارية والعلمية والعسكرية. ألمانيا 80 مليوًنا، ومجموع اقتصادها أربعة تريليونات، ودخل الفرد 47 ألف دولار. ليس دقيًقا أننا نحتاج إلى الأعداد لكي نقوى، وإنما إلى أبناء لهم مدرسة تؤهلهم للوقوف بين الدول الكبرى والمكتفية والخالية من العشوائيات.