​​​​​​

 لا ينفع أن ترتكز سياستنا على ردود فعل أحادية في مواجهة الاستراتيجية التوسعية لدولة إيران الثيوقراطية، وأعني بالأحادية هنا أن تواجه كل دولة من دول المجلس منفردة الإرهاب الناتج عن العداء الإيراني الصريح من دون الاستعانة بشقيقاتها في منظومة مجلس التعاون أو من دون التنسيق مع الإخوة والحلفاء في المنطقة وخارجها. فهذه السياسة لم تستطع بعد أن تضع حدا لمثل هذه التدخلات، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن ردات فعلنا الأحادية غير الفاعلة هذه قد سهلت على إيران ترجمة أهدافها إلى أفعال في أكثر من عاصمة عربية، وخلقت الانطباع بعدم قدرة دول المجلس على مواجهة تحدي الوجود بتحقق كينونة دولة الاتحاد المنتظرة.


إن فترة الصراع التي أخذت صفة الوضوح في عدائيتها لدول مجلس التعاون في العام 2011، وهو العام الذي أطلق عليه زورا وبهتانا «الربيع العربي»، هي امتداد للسياسة التي وضع ركائزها الحاقد الخميني عندما استطاع مع زمرة الملالي الانفراد بسدة الحكم ناكثين كل الوعود وضاربين عرض الحائط كل التحالفات مع القوى المدنية الأخرى التي أسهمت في نجاح «ثورتهم» في عام 1997، وتقوم هذه السياسة العدائية على فكرة تصدير هذه «الثورة» إلى جميع البلدان بدءا من دول مجلس التعاون منفردة. وقد بدا هذا الفعل واضحة آثاره في أحداث 2011 الطائفية في مملكة البحرين، وقبلها في المختبر اللبناني الذي فرخ فيه الملالي ذراعهم العسكري هناك «حزب الله» وبعدها في العراق التي باتت نهبا لطائفية أنتجت «داعش» وكل أشكال التطرف الديني والمذهبي والعرقي.


لا شك أن ظن الخميني قد خاب في تصدير هذه «الثورة» الطائفية أيامها إلى جيرانه بدول الخليج العربي، ومات بحسرته، غير أن راسمي السياسة الخارجية والعسكرية ووارثي إرث الخميني القائم على فكرة «ولاية الفقيه» لم ييأسوا بعد وهم مستمرون في اقتفاء نهج قائدهم الساعي إلى بسط سيطرة إيران المذهبية على بلدان الخليج العربي، لتكون بوابتهم إلى بلدان الوطن العربي الأخرى. لكن إذا استمرت سياستنا على هذا النحو من السلبية في مواجهة إيران الملالي، فإننا سنكون عرضة لهزات أمنية قد تنال من استقرارنا في أي وقت. وأعتقد أن العملية الإرهابية التي راح ضحيتها شهيد آخر من شهداء رجال الأمن البواسل وجرح آخر في مركز التأهيل والإصلاح بجو، وهروب عشرة سجناء منه حلقة في سلسلة المشاريع الإجرامية لزعزعة الأمن في المملكة.


في ظني، ليس هناك ما يحجب الفهم، لدى كل المتابعين من أن إيران توظف المذهب لخدمة سياستها التوسعية، لهذا، وعلى مدى السنوات الماضية التي صعد فيها الملالي إلى سدة الحكم، نرى بأنها تنتهج سياسة عمادها عسكرة هذا المذهب، بل وتعمد إلى تحريض عملائها بشكل مستمر لا يتوقف في كل دولة من دول مجلس التعاون وتمدهم بالدعم المالي وبالسلاح ليكونوا جنودا طائفيين في هذا المذهب يدينون بالولاء للولي الفقيه تمهيدا لسبل فرض هيمنة إيرانية على دول هذا المجلس. هذا بالمختصر ما يمكن أن يقال عن مساعي هذه الدولة تجاه الدول العربية بعامة، ودول مجلس التعاون بالخصوص.


وعلى الرغم من السلوك الإيراني الواضح في عدائه للعرب، ولكل ما يمت بصلة إليهم، وخصوصا لدول مجلس التعاون التي يتقصدها هذا النظام بمغالاة في مستوى العداء بلغت حدودا من الوقاحة نتبينها في بعض الطلعات الإعلامية التهييجية المنفرة المنادية بـ«حق» إيران في استرجاع البحرين وبـ«حقها» في الوصاية على المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وبـ«حقها» في إدارة مشاعر الحج بالبقاع المقدسة. إلا أن دول هذا المجلس وإزاء صلف ملالي إيران وعسكرها لم تتخذ الإجراءات الكفيلة والتي تحفظ بها حقها في الدفاع عن نفسها. فهي لم تجاهر قط، لا منفردة ولا مجتمعة، بمثل ما تأتيه إيران من الأعمال الإجرامية وتهريب السلاح إلى داخل البلدان الخليجية كما سبق وأن كشفت عنه سلطات الأمن في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية، رغم المطالبات الشعبية التي كانت تدفع بانتهاج كافة السبل للدفاع عن الأمن في دول المجلس.


إيران منذ عام سقوط الشاه على أيدي الملالي تهدد دول المجلس بالعدوان السافر مثل ما يطلقه قادتها تجاه مملكة البحرين، ومازالت تواصل هذا التهديد حتى عندما شكلت هذه الدول كيانها الجديد ممثلا في مجلس التعاون، عبر طابورها الخامس الذي أغدقت عليه العطاء على مدى السنوات الثلاثين المنصرمة، حتى أتخمته فصار العبث بأمن الوطن والمواطنين في أكثر من بلد خليجي هو هدفه الذي يحقق به رضا الأسياد في قم.


ولعل بقعة الضوء الوحيدة التي تجعلني شخصيا متفائلا برد حاسم ما يجري حاليا في اليمن، فهذه البقعة العربية الأصيلة الطيبة رغم هول ما أصابها كانت فاتحة خير لينتبه العرب إلى أي مستوى حقير وصلت إيران في تعاملاتها مع العرب، وأن القرار السعودي المؤيد خليجيا بالتدخل لوقف الاعتداء الإيراني دفاعا عن العروبة، وعن كيان دول المجلس، هو الرد الأوحد الذي وجب التعامل به مع دولة عصابة الملالي.


استنفار القوى الذاتية وعقد التحالفات مع الدول الشقيقة والصديقة، كما حدث في اليمن من خلال التدخل المباشر دفاعا عن عروبة هذه الأرض وهذا الشعب الطيب الأبي وشل المشاريع الداعمة له في كل المنطقة العربية، هو سبيلنا الوحيد لوقف التوسع الإيراني وحماية كيان دول المجلس. لكن، في رأيي، هذا الحراك المضاد لوقف التدخلات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في شؤوننا الداخلية لا يبدو كافيا حتى اللحظة، وما ينقصنا حقيقة في هذا الجانب هو تشديد المراقبة على الجماعات التي تتبنى فكر «الولي الفقيه»، وملاحقتها بصفتها هي المسؤولة عن الاختلالات الأمنية في داخل دول المجلس.


وإذا قلنا بأن ردات فعلنا ستكون قاصرة عن وقف التدخلات فإننا نعني بذلك أيضا البدء في استخدام ذات الوسائل التي تلعب إيران بأوراقها في داخلنا الخليجي. لا أتصور أن أحدا منا نحن الخليجيين يجهل توافر عناصر السخط والغضب لدى الشعوب الإيرانية، وهي عناصر ليست وليدة اليوم وإنما مضى على اعتمالها تحت ركام قهر نظام الولي الفقيه أكثر من ثلاثين عاما، وحان وقت إيقاظها ودعوتها لتدخل ضمن قواعد اللعبة التي أراد لها الإيرانيون أن تكون على المكشوف.

 

فإذا كان الإيرانيون يعتقدون أن بإمكانهم اللعب بورقة المؤمنين بنظرية «ولاية الفقيه»، وهم محدودو العدد والعدة، فإن الخيارات لدى دول مجلس التعاون لا تعد ولا تحصى، هناك عرب الأحواز، وهناك الأكراد السنة، وهناك مجاهدو خلق، وهناك النائقمون على السلطة الثيوقراطية التي تضغط على أنفاس الشعوب الإيرانية.


في ظني، إن كل الخيارات مفتوحة، وكثير من الشعوب الإيرانية فاتحة ذراعيها ترحيبا بمن يمدها بدعم يساعدها على الخلاص من هيمنة الملالي على مقدراتهم. فهل نحن ذاهبون إلى تحريك ورقة القوميات والأديان في إيران التي هي على صفيح ساخن، تيسيرا لخلاص المنطقة كلها من شرور نظام عنصري ثيوقراطي بغيض.