سليم نصار

في آخر زيارة قام بها لبيروت الأمين العام لجامعة الدول العربية سابقاً عمرو موسى، حرص على زيارة المسؤولين اللبنانيين للتهنئة بملء الفراغين في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. ولم ينسَ طبعاً أن يخص رئيس الحكومة السابق تمام سلام بزيارة طويلة استمع خلالها إلى التحديات التي واجهته داخلياً وخارجياً.

في اللقاء ختم سلام حديثه بالقول: والآن، أنا أشعر بأنني أديت واجبي الوطني، وأوصلت سفينة الحكم الى شاطئ الأمان...

وقبل أن يستطرد في شرح وجهة نظره، كرر عمرو موسى العبارة الأخيرة مع تعديل بسيط في صوغ الخاتمة على النحو التالي: أوصلت سفينة الحكم الى شاطئ أمان.

ووافقه سلام على الصياغة الأخرى، لاقتناعه بأن آلة الحكم في لبنان تحتاج الى انتفاضة سياسية - اقتصادية تؤدي الى تنظيف إدارات الدولة ومؤسساتها من رواسب الصدأ المعشش في مختلف القطاعات.

وقد كشفت له الفترة الانتقالية مساوئ كثيرة، أقلها الشرخ السياسي القائم بين جماعة 14 آذار وجماعة 8 آذار، الأمر الذي أدى الى خلخلة الهيكلية المركزية لقواعد النظام.

وتشير أولويات الحكومة الى أن صوغ قانون جديد للانتخابات النيابية المقبلة سيكون الهدف المشترك لكل الأحزاب والتيارات. والسبب أن النواب والناخبين يطمحون الى التخلص من قوقعة قانون سنة 1960 الذي يقيّد تمثيل النائب بطائفته.

والمؤسف حقاً أن تكون فكرة تعديل قانون التمثيل الانتخابي هي فكرة جامعة يشترك في التعبير عنها كل المهتمين بإصلاح النظام السياسي في لبنان. ولكن حسابات التغيير ليست أمراً مستساغاً لدى الزعماء ورؤساء الكتل النيابية، كونها مرتبطة بإجراءات غير مطبقة سابقاً. والإنسان بطبيعته عدو لما يجهل!

ظهرت أول دعوة جدية لتغيير القانون الانتخابي في الرسالة التي وجهها الى الرئيس ميشال سليمان، رئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني. وقد أشار في مضمونها الى حاجة اللبنانيين الى تمثيل سياسي صحيح، كما ينص اتفاق الطائف، فقال: «إن الــخروج من أزمة الحكم المتمادية والوصول الى حال الوفـــاق الوطني المطلوب، يتعلقان بقانون الانتخاب وأحكام نظــامه. والحاجة باتت ماسة الى مبادرة تنقل البلاد من شر احتكار التمثيل السياسي، وبالتالي اعتبار المذاهب الدينية مذاهب سياسية، والعكس. إنها فرصة لتزويد البلاد بمؤسسات شرعية قادرة، تستمد قدرتها من رضا اللبنانيين وولائهم... ومن شعورهم بالإنصاف بلا إقصاء أو إبعاد».

واغتنم في حينه الرئيس ميشال سليمان مناسبة عيد الجيش ليدلي بدلوه، ويقول: «إن اعتماد قانون انتخابي جديد، عصري، وعادل، من شأنه أن يشكل مدخلاً للتغيير. وربما يكون هذا التغيير باعتماد النسبية التي لا تكتمل من دونها الديموقراطية الميثاقية».

ويرى المراقبون أن موجة الاندفاع لتحقيق قانون انتخابي حديث جاءت بغرض تنفيذ المبادئ العامة والإصلاحات التي حددها اتفاق الطائف، وفي مقدمها: «إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة...».

ولكن من الصعب اكتشاف المصدر الذي اعتمد النظام الانتخابي الياباني، وراح يروج له كنموذج مثالي يمكن للبنان الاقتداء به. خصوصاً أن النظام الانتخابي الياباني يعتبر اليابان كلها دائرة انتخابية واحدة، مع تطبيق النظام النسبي.

وكان الرئيس سليم الحص أول مَنْ طالب بضرورة اعتماد هذا النظام، لأنه، في نظره، يسرّع عملية الانصهار الوطني، ويعمل على توزيع المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في شكل متساوٍ يجمع بين ابن الجنوب وابن عكار.

ولكن الصحيح أن الأخذ بهذا النظام يقتضي تأسيس قاعدة حزبية صلبة يتحرك المرشحون فوقها بانسجام ومسؤولية. ومعنى هذا أنه على اللبنانيين تحضير الأرضية الحزبية الصالحة للقيام بهذه القفزة النوعية. كل هذا، لئلا تأتي قفزة الإصلاح المطلوب في الظلام.

وعن مشروع قانون النسبية، علق رئيس الحكومة سعد الحريري بقوله: «أنا مع النسبية، وإنما مع دمج النسبي والأكثري، كالمشروع الذي يعمل على إعداده الرئيس نبيه بري. وأنا أتحدى أي إنسان أن يقول لي كيف تتم الانتخابات على أساس النسبية أو مع دمج الأكثرية».

في بيانها الوزاري، أعلنت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أنها ستعطي الأولوية للمشاريع الإصلاحية الخاصة بقانون الانتخابات، ولا سيما نظام التمثيل النسبي. وقد عهدت الى لجنة خبراء بإعداد دراسة موضوعية بغرض تأمين تمثيل صحيح يعبّر عن إرادة شعبية حقيقية. وبالفعل، قدمت اللجنة حصيلة التشريعات المطبقة في دول العالم، ثم اختارت منها مشروعاً يصلح للبنان. وهو مشروع يتألف من 13 دائرة تغطي كل الجمهورية مع اعتماد النظام النسبي.

وقبل أن تنتقل هذه الصيغة الى حيز التنفيذ، اختلف زعماء الأحزاب والكتل النيابية على حجم النظام التمثيلي وحجم الحصص المؤمنة بواسطته.

باختصار، يقول الرئيس ميقاتي، إن المشترع - لا فرق أكان نائباً أو سياسياً - لا يمكن أن يشرّع ضد مصلحته، وضد مكانته الانتخابية. ولهذا تكون حساباته منصبة على تبني النظام الذي يؤمن له الاستمرار في النيابة، بعد الحصول على أكبر قطعة من كعكة الحكم.

ويتبين من مراجعة المشاريع الانتخابية المطروحة أن الحكومة ليست مضطرة الى بلورة تصور تعتبره مرفوضاً من الغالبية النيابية. وفي هذا السياق، يتوقع عدد كبير من النواب أن يُصار الى تجميل قانون 1960 قبل انتخابات أيلول (سبتمبر) المقبل، بحيث يكون معبراً عن جزء من الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة.

قبل الوصول الى هذه المرحلة، يحاول الرئيس ميشال عون إخراج لبنان من الضائقة الاقتصادية التي ترهقه وتشل إمكاناته وتعطل قدراته. وهو يكرر ما قاله أمام أعضاء «جمعية المصارف اللبنانية»، من أن بناء الدولة لا يمكن أن يستقيم من دون خطط ومشاريع قادرة على الإفادة من الاستقرار السياسي والأمني.

ومن أجل مباشرة تنمية العلاقات الخارجية، لبى دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي حملها اليه الأمير خالد الفيصل أثناء زيارة التهنئة.

ويتضمن البرنامج زيارة قطر يوم الأربعاء المقبل ليلتقي الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وكبار المسؤولين في الدوحة.

ومن المفترض أن تعرض في مختلف اللقاءات والاجتماعات الرسمية انعكاسات الأزمة اللبنانية الخانقة الناتجة من وجود ما يوازي نصف عدد سكانه من النازحين واللاجئين. وقد تنامت هذه الأزمة بسبب قصور الدول المانحة والداعمة عن الوفاء بوعودها.

وقد استبشر المواطنون خيراً بمقررات مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، ومنها إقرار مرسومي الغاز والنفط. وهو أمر بالغ الأهمية يمكن أن يؤمن مردوده في المستقبل سداد الدين العام الذي تخطى السبعين بليون دولار. وقد تحفظ بعض الوزراء عن شروط الملف النفطي نظراً للعراقيل السابقة التي تعرض لها استخراج هذه الثروة المدفونة تحت البحر.

والثابت أن لبنان اكتشف أنه يملك كميات من احتياط الغاز الطبيعي والنفط أيضاً، فيما أعلنت إسرائيل اكتشاف كميات من الغاز تقدر بـ453 بليون متر مكعب.

وبدلاً من أن يباشر وزير الطاقة والمياه في حينه، جبران باسيل، إجراء مناقصات سريعة، تشاغل بالإشراف على ترسيم الحدود البحرية اللبنانية التي أبلغ عنها الأمين العام للأمم المتحدة.

وذكر في حينه الخبير النفطي وليد خدوري: «إن الخلاف الذي يمكن أن يبرز في هذه الحال، هو حول القطعة الرقم ثمانية التي تمتد نحو المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل». وكتب: «لكن هذه القطعة كبيرة الحجم بحيث إن الشركات غير مضطرة الى التنقيب في مساحة القطعة بكاملها».

ونشرت الصحف يومها خبراً مفاده بأن وفداً من وزراة الخارجية الأميركية، برئاسة السفير كريستوفر هوف، تشاور مع الجانبَيْن اللبناني والإسرائيلي بغرض حل الخلاف ديبلوماسياً. ولكن حبل المشاورات انقطع، بعدما رفض لبنان إجراء الحوار ولو بواسطة فريق ثالث. وقيل في حينه إن الوسيط الأميركي اقترح منح لبنان 530 كيلومتراً مربعاً من مجموع المنطقة المختلَف عليها والبالغ 854 كيلومتراً مربعاً.

تشير التقديرات الى أن مخزون الغاز في المنطقة اللبنانية من الجنوب يصل الى 30 تريليون قدم مكعبة. وتقدر العـــائدات الإجمالية لهذا المخزون بـ240 بليـــون دولار. هذا إذا بقي سعر الغاز على حاله. والمبالغ التي تجنيها الدولة اللبنانية من مبيعات الغــاز، والنـــفط مستقبلاً، تعينها على تقليص العجز المخيف وتحسين وضع الموازنة العامة.

ولكن هذه التوقعات الوردية قد تتبخر في الهواء إذا ما استمر «سماسرة الهيكل» في المطالبة بحصصهم - كما حدث سابقاً - الأمر الذي دفع الشركات الأجنبية الى الهرب من لبنان.

واللافت أن هذه الشركات وزعت على الصحف الأجنبية بيانات تشير الى أرقام الرشوة التي طلبها بعض الزعماء اللبنانيين، ثمناً لتراخيص التنقيب. وربما يقود نشرها على الرأي العام الى وصول «الربيع العربي» الى البلد الذي حسب أنه محصَّن ضد الانتفاضات الشعبية!