بريدة: محمد الركيان  

 

شكت بعض الجامعات المشاركة في ندوات مؤتمر «دور الجامعات في تفعيل رؤية 2030»، تجاهل رجال الأعمال والتجار دعم البحث العلمي. وطالب مشاركون في الندوات بتخصيص نسبة من أرباح القطاع الخاص للبحث العلمي.

أكد المشاركون في الندوات العلمية، التي عقدت ضمن مؤتمر "دور الجامعات في تفعيل رؤية 2030"، ضرورة تخصيص نسبة من أرباح القطاع الخاص لدعم البحث العلمي، ورفع نسبة الإنفاق على البحث العلمي من 0.4 % عام 2015 إلى حوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020، والاستفادة من تجارب الجامعات في الدول المتقدمة، ووضع آلية جديدة لضمان وصول المؤهلين إلى الوظائف القيادية. كما طالبوا بتطوير البحث العلمي، وذلك بتغيير أسلوب ونمط التعامل مع المشاريع، مشيرين إلى وجود مجموعة من الصعوبات، التي تعترض منظومة البحث العلمي في الجامعات السعودية، وعدم وجود منظومة بحثية تربط بين احتياجات المجتمع والتنمية الاقتصادية من جهة، والجامعات ومراكزها البحثية من جهة أخرى.
كوادر مهنية وعلمية
عقدت الندوة الأولى تحت عنوان "المسارات التعليمية في الجامعات ورؤية 2030"، برئاسة محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتور أحمد الفهيد، وبمشاركة كل من مدير الجامعة السعودية الإلكترونية المكلف الدكتور عبدالله الموسى، ووكيل وزارة التعليم للشؤون التعليمية الدكتور محمد بن عبدالعزيز العوهلي، والأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالمحسن الداود.
وأكد الدكتور الفهيد خلال الندوة، أهمية دور الجامعات والمؤسسات التعليمية في تفعيل رؤية 2030، حيث إنها المسؤولة عن المستقبل وعن تربية الأجيال الجديدة، وتقديم الكوادر المهنية والعلمية المطلوبة لبناء الوطن وتحقيق التقدم والرخاء. وقدم الدكتور عبدالله الموسى ورقة علمية بعنوان "التعليم الإلكتروني خيار إستراتيجي لتحقيق الرؤية الوطنية"، استعرض فيها دور التعليم الإلكتروني خلال السنوات الأخيرة في القطاع التعليمي وانسيابه مع التطورات والتكنولوجيا التي نعايشها في وقتنا الحالي، مبينا أن التعليم الإلكتروني فرصة سانحة لتطبيق السياسات العامة لتقنية الاتصالات والمعلومات في الجامعات القادرة على دعم تكيفها التنظيمي مع المتطلبات الرقمية، وتوفير تعليم مستمر للطلاب الذي من شأنه أن يسهم في تطوير مهاراتهم بشكل أفضل، ولا سيما المهارات المرتبطة بتلبية احتياجات إنتاج اقتصاد المعرفة.

4 محاور لتحقيق الرؤية
أشار الموسى إلى أن دور التعلم الإلكتروني في تحقيق الرؤية الوطنية، يرتكز على أربعة محاور، تكمن في ضمانة التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، والعمل على تحسين المناهج التعليمية ونوعية نتائج الأنظمة التعليمية وتحقيق الإصلاح التربوي، والمساعدة على تنمية المهارات وإعداد الكفاءات، وتحقيق استدامة بيئية دائمة في جميع منصات التعليم الإلكتروني. وأشار الموسى إلى أن الآونة الأخيرة شهدت نموا ملحوظاً في اتجاه الطلاب إلى التعليم الإلكتروني، موضحا أنه بالرغم من حداثة الجامعة الإلكترونية السعودية التي لم يمر على إنشائها أكثر من خمس سنوات، إلا أن نسب الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة التي تفضل أن تلتحق بها، تثبت أن المستقبل يتجه نحو زيادة الاعتماد عليه، حيث كانت نسبة الطلاب المقبولين بالجامعة في العام الأول 2.18 % من الحاصلين على الثانوية العامة، ولكنها ارتفعت في العام الحالي لتصل إلى أكثر من 53%، حيث أصبحت الجامعة الإلكترونية هي الجامعة رقم واحد في خيارات الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة في المملكة.

أفكار ومبادرات تطويرية
أكد وكيل وزارة التعليم للشؤون التعليمية الدكتور محمد بن عبدالعزيز العوهلي، أن الحديث عن دور الجامعات السعودية في تحقيق رؤية 2030، جاء في الوقت المناسب، مشيرا إلى أن وزارة التعليم أعدت أفكارا ورؤى كثيرة لتطوير العملية العلمية والبحثية في المملكة، ومازال الكثير من المبادرات في طور الدراسة والتطوير المستمر.
وأوضح العوهلي أن الوزارة تسعى لتوفير احتياجات ومتطلبات سوق العمل في المرحلة القادمة من المهن المطلوبة، والكوادر المؤهلة علميا وعمليا، وذلك بتطوير خدماتها التعليمية في كافة المراحل، بما يضمن الجودة المنشودة من العملية التعليمية، مؤكدا أن الوزارة تضع خططها المستقبلية وفقا للأعداد المتوقعة من الطلاب والطالبات.

تطوير المناهج وهيئة التدريس
قدم الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالمحسن الداود ورقة عمل حول علاقة الجامعات بتفعيل رؤية 2030، مؤكدا أن الرؤية بنيت على التوسع والجودة والتميز والاستيعاب، وهذا ما تحققه الجامعات، مطالبا بضرورة دعم البحث العلمي، وتطوير أداء أعضاء هيئة التدريس والمناهج الدراسية، وربط برامج البحث العلمي، والدراسات العليا بالجامعات بمشكلات البيئة والمجتمع، إضافة إلى مشاركة الجامعات في صنع القرارات في المجتمع.
كما طالب الداود بإضفاء البعد الدولي على البرامج الأكاديمية والبحث العلمي، لتهيئة الخريجين للعمل في سوق عالمي، تلاشت فيه الحدود بين الدول فيما يتعلق بالمعلومات.

زيادة الإنفاق على البحث العلمي
جاءت الندوة الثانية بعنوان "البحث العلمي في الجامعات ورؤية 2030" برئاسة عضو مجلس الشورى الأمير الدكتور خالد المشاري آل سعود، وبمشاركة كل من مدير جامعة حائل الدكتور خليل البراهيم، ومدير جامعة جدة الدكتور عبدالفتاح بن سليمان مشاط، ووكيل جامعة الملك خالد للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور ماجد عبدالكريم الحربي، نيابة عن مدير الجامعة الدكتور فالح السلمي. وقدم الدكتور البراهيم، ورقة عمل بعنوان "التكامل بين الجامعات وشركات القطاع الخاص لدعم البحث العلمي في ظل رؤية 2030"، أكد فيها أن الرؤية تمثل مرحلة جديدة من التوجهات للوصول إلى أهداف طموحة، تسعى إلى رفع نسبة الإنفاق على البحث العلمي من 0.4 % عام 2015 إلى حوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020، وذلك بمشاركة القطاع الخاص، الذي يجب أن يسعى لتشجيع الابتكار والتنافسية العالمية، من خلال دعمه للأبحاث العلمية، التي تنعكس نتائجها بالإيجاب على منتجاته، ومن ثم على المجتمع بكل فئاته.

غياب دعم القطاع الخاص
وأشار البراهيم إلى أن القطاع الخاص في المملكة لا يضطلع بدوره في دعم البحوث والابتكارات العلمية، بل إن دوره يكاد يكون غائبا تماما، مرجعا ذلك إلى عدة أسباب من أهمها، اهتمامه في معظمه بالتوريد والتوزيع على حساب الإنتاج والتصنيع، وعدم القدرة على انتظار نتائج الأبحاث العلمية والمنتجات الابتكارية، إضافة إلى عدم ثقة المستثمرين في الخبرات الموجودة بالجامعات، أو في جودة الأبحاث العلمية التي تجرى فيها. وطالب بضرورة تفعيل دور أودية التقنية، والمراكز البحثية المتخصصة، وتعزيز الثقة المتبادلة بين الجامعات والقطاع الخاص، وتشجيع الشراكة بينهما، لتطبيق مفهوم اقتصاد المعرفة، الذي يقوم على مبدأ تحويل الابتكارات العلمية إلى منتجات اقتصادية.
وقدم البراهيم اقتراحا باسم جامعة حائل، بأن يتبنى المؤتمر توصية للجهات المعنية لإصدار تنظيم يلزم شركات القطاع الخاص بتخصيص جزء من أرباحها السنوية لدعم البحث العلمي والابتكار، وأن تخصص الجامعات السعودية أيضا نسبة 2% من ميزانياتها للبحث العلمي، مما سيسهم في خلق شراكات حقيقية بين الجامعات والشركات الصناعية وقطاع الأعمال.

سد فجوة التعليم وسوق العمل
عرض الدكتور مشاط ورقة حول "دور الجامعات الناشئة ورؤية المملكة 2030"، أوضح فيها أن أهم أهداف رؤية 2030 فيما يتعلق بجانب التعليم، هو سد الفجوة بين التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، بتطوير التعليم العالي، بحيث تصبح خمس جامعات سعودية على الأقل بين أفضل 200 جامعة عالمية، وتوجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة، ودعم وتعزيز ممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية واكتشاف الموهوبين.
وأوضح مشاط أن تلك الأهداف سوف تتحقق باتباع عدة خطوات كإعداد مناهج تعليمية متطورة، والشراكات مع الجهات التي توفر فرص التدريب للخريجين، وكذلك المجالس التي تعنى بالموارد البشرية في القطاعات المتخصصة، وتطوير المواهب وبناء الشخصية، إضافة إلى متابعة مستوى التقدم في النتائج عبر نشر المؤشرات التي تقيس مستوى المخرجات بشكل سنوي، وإعداد قاعدة بيانات شاملة لرصد مسيرة الطالب من المراحل المبكرة إلى المراحل المتقدمة.
ورأى مشاط أن تنمية وتطوير خطة البحث العلمي في الجامعات تقتضي مراعاة عدد من النقاط التي تحتاج إلى تحسين في أداء الجامعة فيما يخص المعايير الدولية كمراجعة جميع اللوائح والسياسات والإجراءات الحالية، وكذلك مراجعة الخطط الإستراتيجية الحالية، وبالتالي تغيير أسلوب ونمط التعامل مع المشاريع، مشيرا إلى أن جامعة جدة وضعت عدة توجهات مستقبلية تتوافق مع رؤية 2030، وذلك بتطوير تقنية المعلومات والاتصالات، وإعداد مناهج علمية متطورة، وخلق بيئة مناسبة لتنمية البحث العلمي، وتأسيس مراكز بحثية متقدمة، وزيادة الدعم المخصص للبحث العلمي.

الشراكات لمواجهة الصعوبات
أكد الدكتور ماجد الحربي، أنه توجد مجموعة من الصعوبات التي تواجه منظومة البحث العلمي في الجامعات السعودية، بما تضمه من المراكز البحثية ومراكز التميز البحثي وغيرها من عناصر المنظومة البحثية في الجامعات، بما لا يتوافق مع طموحات رؤية المملكة 2030، وكذلك عدم وجود منظومة بحثية تربط بين احتياجات المجتمع والتنمية الاقتصادية من جهة والجامعات ومراكزها البحثية من جهة أخرى، إضافة إلى أن الإستراتيجيات البحثية التي تعتمدها معظم الجامعات السعودية، يغلب عليها الطابع التقليدي الذي لا يحقق لها التنافس والتميز العالمي. ورأى الحربي، أن تفعيل مثلث الشراكة بين الدولة ومنظومة البحث العلمي في الجامعات مع قطاعات النشاط الاقتصادي والاجتماعي بالدولة على ضوء رؤية المملكة 2030، هو الحل الأنسب لمواجهة الصعوبات التي تعترض طريق الأبحاث العلمية، وكذلك تحديد الأولويات البحثية وفق الإستراتيجية الوطنية والتركيز على التخصصات العلمية والتقنية المتقدمة والدقيقة. كما طالب بعقد اتفاقيات وشراكات مع جامعات أو مراكز بحثية متميزة على المستويين الوطني والعالمي.

مساهمة الجامعات في الناتج القومي
عقدت الجلسة الثالثة برئاسة رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد آل سعود، تحت عنوان "الجامعات ورؤية 2030"، بمشاركة كل من وزير الاقتصاد والتخطيط السابق الدكتور محمد بن سليمان الجاسر،، ومدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور خالد بن صالح السلطان، ومدير عام معهد الإدارة العامة الدكتور مشبب بن عايض القحطاني، ورئيس مجلس إدارة مجموعة الزامل القابضة الدكتور عبدالرحمن الزامل.
قدم الدكتور السلطان ورقة عمل بعنوان "دور الجامعات السعودية في تفعيل رؤية 2030، الواقع والمأمول"، استعرض فيها تجارب الجامعات التي استطاعت أن تقود التحول في المجتمعات وتحقق آمال التنمية في عدة دول متقدمة، كمساهمة قطاع الجامعات في الناتج القومي البريطاني بنحو 40 مليار جنيه إسترليني في عام واحد، إضافة إلى توفيرها 340 ألف فرصة عمل عبر أنشطتها المختلفة، حيث يحقق كل جنيه إسترليني واحد يتم صرفه على أنشطة تبادل المعرفة في الجامعات البريطانية مردودا يقدر بـ 6.4 جنيهات، وكذلك الحال في عدة دول متقدمة كالولايات المتحدة الأميركية، وسويسرا والدنمارك وكندا.
وأشار السلطان إلى إطلاق جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مبادرات جديدة تتوافق مع تطلعات الرؤية، إضافة إلى ما لديها من مبادرات نوعية قائمة بالفعل، ومستمرة في تنفيذها، تقوم على تعزيز التميز في إعداد الكفاءات والقيادات الوطنية، والريادة في أبحاث وتقنيات المياه وحماية البيئة، إضافة إلى توسيع أثر منظومة الابتكار وريادة الأعمال والإسهام في مبادرات ريادية لتنمية الاقتصاد الوطني، وبناء نماذج متميزة من مدارس التعليم العام وتطوير إدارة المؤسسات غير الربحية، مع تنويع منظومة التمويل في الجامعة.
وخلصت ورقة بحثه إلى أن تطبيق الرؤية مهم، ولكن الأهم توافر عمق وروح الرؤية، خاصة لدى الجامعات.

مبادرات معهد الإدارة
عرض الدكتور مشبب القحطاني ورقة عمل بعنوان "دور معهد الإدارة في تحقيق رؤية 2030"، تقوم على تعزيز دور المعهد كبيت خبرة متميز لدعم التغيير والتطوير المؤسسي والإداري، وتقديم خدمات متميزة تلبي احتياجات العملاء وتحقق مستويات رضا عالية، وكذلك تنمية الموارد المالية ورفع كفاءة الإنفاق، إضافة إلى تطوير بيئة عمل مترابطة ومتفاعلة وسريعة الاستجابة، لبناء موارد بشرية محفزة وقادرة وممكنة في المعهد، مما يسهم في زيادة تفاعل المعهد وتأثيره المجتمعي.
كما قدم القحطاني مبادرات معهد الإدارة في برنامج التحول الوطني، والتي تتمثل في اكتشاف واستقطاب القيادات الإدارية المستقبلية في القطاعين الحكومي والخاص وتأهيلها وفقا لأفضل الممارسات الدولية، وتطوير معارف ومهارات القيادات الحالية لمواكبة متطلبات التغيير والتحول في المجالات الإدارية والاقتصادية والتقنية، إضافة إلى تطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بما يدعم وصول المؤهلين إلى الوظائف القيادية.

واحة الزامل
استعرض الدكتور عبدالرحمن الزامل، جهود مؤسسته في مجال تنمية البحث العلمي، وما توفره من دعم لهذا المجال، حيث تحتوي واحة الزامل على معمل التصنيع الرقمي، الذي يتم من خلاله إعداد نماذج للمشاريع والابتكارات العلمية، وقاعة المعروضات العلمية المتنقلة، وهي عبارة عن معروضات يتم عرضها كل فترة في أحد المجالات العلمية، ويتم التنسيق لها بالتعاون مع المراكز العلمية العالمية، إضافة إلى قاعة التعليم المبكر، وهي عبارة عن قاعة متكاملة للطفل يمارس فيها مهارات التفكير العلمي بأساليبه المختلفة وفق حقائب تعليمية لأربع مسارات علمية وفق منهجية "STEM" المتخصصة في التعليم المبكر. وأكد الزامل أن مجموعته القابضة عقدت العديد من الشراكات المجتمعية مع العديد من الجهات الحكومية والخاصة في مجال تطوير الأبحاث العلمية، في مجالات الطاقة والنفط والصناعة والفضاء والطيران، والتقنية والاتصالات.