إدريس لكريني

تتبوأ المنطقة المغاربية موقعاً استراتيجياً مهمّاً؛ يجعلها في تفاعل دائم مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فهي - وبالنظر لموقعها في الضفة الجنوبية للمتوسط - تظل معنية بصورة مباشرة بتداعيات الهجرة بكل أشكالها؛ كما أن امتدادها بالمحاذاة مع دول الساحل والصحراء في إفريقيا يضعها بجوار ملتهب بتحدياته المختلفة؛ فيما تتأثر باستمرار بمجمل الإشكالات التي تعيش على إيقاعها المنطقة العربية..

وأمام هذه المعطيات؛ يطرح السؤال حول كيفية تعاطي هذه الدول مع مجمل التحديات والإشكالات التي تفرضها هذه المخاطر؛ وما إذا كان هناك ميل للمقاربات الانفرادية؛ أم أن هناك قدراً من التنسيق والتعاون في هذا الصدد؟

على مستوى الحرب على «الإرهاب» ومواجهة تمدّد الجماعات المسلحة بالمنطقة، تشير التقارير المختلفة إلى أن ظاهرة «الإرهاب» أصبحت تطرح تحديات وإشكالات كبرى أمام المجتمع الدولي برمته؛ بعدما تزايدت خطورتها من حيث تطور آلياتها وتعقّدها وانتشارها.. 

تؤكد الدراسات والأبحاث أن العوامل المغذية للإرهاب متباينة ومتعددة؛ ويشكّل الوقوف عليها مدخلاً ناجعاً للحد منه؛ كما تبرز الممارسات أيضاً أن تمدد الظاهرة وانفلاتها أصبح يفرض بلورة جهود على قدر من الشمولية والتنسيق الإقليمي والدولي في هذا السياق.

تحوّلت الكثير من دول المنطقة العربية في العقدين الأخيرين إلى فضاءات مضطربة؛ أسهمت في انتعاش وتزايد الجماعات المسلحة والمتطرفة.. وهو ما ينطبق على الصومال والعراق وسوريا.. وبعد أحداث 11 سبتمبر من عام 2001؛ ونتيجة للحملات التي قادتها الولايات المتحدة لمواجهة التنظيمات الإرهابية؛ سعت الكثير من الجماعات الإرهابية إلى التموقع في المنطقة المغاربية؛ حيث ظهر تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»..

وتحت ضغط الإجراءات والتضييقات الصارمة التي اتخذتها مجمل دول المنطقة لمواجهة هذه الظاهرة؛ توجهت العديد من الجماعات الإرهابية نحو منطقة الصحراء والساحل الإفريقي؛ حيث ضعف الدولة المركزية وهشاشة الأوضاع الأمنية والاجتماعية.. وهو ما أتاح لها التمدّد في هذه المنطقة المعروفة بفراغها الأمني؛ لتستقطب المجنّدين وتقيم التدريبات ولتمارس أساليب جديدة في عملياتها من حيث الاعتماد على التهريب واختطاف الأجانب وطلب الفدية. ومما يعمق هذه المخاطر أكثر؛ انضمام عدد من المقاتلين المغاربيين إلى جماعات مسلحة متمركزة في عدد من مناطق التوتر في المنطقة وغيرها..

وعلى الرغم من أن هذه التحديات تواجه الدول المغاربية مجتمعة وتفرض قدراً من التنسيق والتعاون؛ إلا أن المقاربات الانفرادية تظل سيدة الموقف في هذا الشأن؛ بل إن مجمل المبادرات الرامية إلى تطويق خطر الإرهاب بالمنطقة؛ يكون مصدرها خارجياً؛ سواء من دول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية.. ما يجعل المنطقة معرضة للمزيد من المخاطر والتحديات في هذا السياق..

فرضت الأوضاع المحتقنة في مالي حالة من الارتباك والحذر في المنطقة المغاربية لعدة اعتبارات؛ في علاقة ذلك بوجود فراغ أمني في منطقة الساحل والصحراء؛ وعدم قدرة التنظيمات الإقليمية في التعاطي بشكل فعال مع الأزمة (الاتحاد الإفريقي والاتحاد المغاربي..)؛ علاوة على استفادة الجماعات المسلحة في المنطقة من أسلحة هامة في أعقاب المتغيرات الأمنية بليبيا بعد رحيل القذافي؛ وتحوّل التراب «المالي» إلى «محج» لعدد من المقاتلين من جنسيات مختلفة..

ومما زاد من هذا الارتباك؛ تباين مواقف دول المنطقة إزاء الأزمة؛ بين من عبّر عن رفضه لتمدد «الإرهاب» في المنطقة وعن رغبته في مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة؛ مع الحرص على وحدة مالي، ومن انحاز للمقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي في هذا المشكل، وبين من دعّم خيار طرح القضية أمام مجلس الأمن؛ لتجاوز التضارب في المواقف بشأن التعاطي مع المشكلة؛ ولاعتماد تدابير صارمة في مواجهة الجماعات المسلحة وحماية التجربة الديمقراطية الوليدة في مالي من الانحراف..

وبالعودة إلى الأزمة السياسية والأمنية الراهنة في ليبيا والتي شكلت عامل جذب لعدد من الجماعات المسلحة إلى المنطقة من جديد؛ مع فشل الفرقاء الليبيين في بلورة توافقات تدعم منع تطور الأمور نحو الأسوأ، لم يعد كسب الاستقرار في ليبيا رهاناً داخلياً فقط؛ بل أضحى مطلباً مغاربياً؛ تمليهما مجموعة من العوامل المتصلة بضرورة تجاوز تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية بالبلاد؛ وتأمين الفضاء المغاربي ضد المخاطر المتزايدة والعابرة للحدود من تهريب وجريمة منظمة وإرهاب..

إن الموقع الاستراتيجي الحيوي للمنطقة المغاربية كرابط بين قارتي إفريقيا وأوروبا، يجعلها معبراً تجارياً واقتصادياً عالمياً مهماً؛ وممرّاً مفضلاً للكثير من الراغبين في الهجرة بكل أصنافها.

لقد اعتمدت الدول الأوربية مجموعة من التدابير الرامية إلى الحدّ من حركة التنقل بين ضفتي المتوسط خلال العقود الأخيرة؛ بل وسعت في كثير من الأحيان إلى الضغط على الدول المغاربية كي تلعب هذا الدور نيابة عنها.. وهو ما سمح بتزايد حدّة ظاهرة الهجرة السرية كسبيل لتجاوز هذه الإجراءات والسيّاسات للوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط.

ونتيجة لذلك؛ لم تعد الدول المغاربية مصدراً لهذه الظاهرة فقط؛ بل أضحت معبراً ومستقراً لعدد من الراغبين في الهجرة من مختلف البلدان من القارة الإفريقية وغيرها.. الأمر الذي أفرز مجموعة من الإشكالات القانونية والاجتماعية.. خصوصاً وأن الظاهرة أصبحت تتم في إطار شبكات منظمة وعابرة للحدود.