وحيد عبد المجيد

تثير الاتهامات التي وجهتها وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» إلى روسيا باختراق بريدين إلكترونيين استخدمتهما حملة المرشحة السابقة هيلاري كلينتون الجدلَ مجدداً حول «حروب السيبر» ‏Cyper Wars ‬التي ‬تدور ‬في ‬فضاء «‬الإنترنت»‬. ‬لم ‬تقدم ‬الوكالة ‬دليلاً ‬على ‬أن ‬القرصنة ‬الروسية ‬أثرت ‬في ‬نتيجة ‬الانتخابات ‬الرئاسية، ‬لكنها ‬قدمت ‬ما ‬يؤكد ‬حدوثها.

ويعني ذلك أن تدخل دولة ما سعياً للتأثير في نتائج الانتخابات في دولة أخرى صار ممكناً. وهذا يفسر القلق الذي ينتاب مسؤولين فرنسيين الآن من احتمال حدوث ذلك في الانتخابات الرئاسية في أبريل ومايو المقبلين. ورغم أن وزير الدفاع «جان لو دريان» يعتقد أن فرنسا أقل عرضة من الولايات المتحدة لهجمات القرصنة الإلكترونية، لم يستطع التقليل من هذا الخطر الذي أقر بأنه حقيقي. وقال في مقابلة مع صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» في 8 يناير الجاري، إن الخطر يطول أيضاً البنية الأساسية للبلاد.

غير أن خطر استخدام وسائل إلكترونية في مهاجمة مكونات البنية التحتية، المدنية والعسكرية، ليس جديداً. وتتخذ دول كبرى إجراءات لمواجهته وإحباطه منذ سنوات. أما الجديد فهو توسع هذا الخطر وامتداده إلى الانتخابات بهدف التشكيك في شرعية مؤسسات الدولة. فمن شأن أي تدخل من هذا النوع أن يثير شكوكاً تظل قائمة، حتى إذا لم يكن مؤثراً في نتيجة الانتخابات. لذلك يصعب استبعاد أن تثير بعض القرارات التي سيتخذها الرئيس الأميركي الجديد ترامب بشأن العلاقات مع روسيا شكوكاً بشأن دوافعها.

وكان بلوغ خطر الاختراق الإلكتروني هذا المستوى وراء الاهتمام الذي أبداه مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، ورآه كثير من المراقبين مبالغاً فيه، بالخطأ الذي ارتكبته هيلاري خلال توليها وزارة الخارجية حين استخدمت بريدها الإلكتروني الخاص في مراسلات رسمية.

وهكذا يتوسع نطاق الهجمات الإلكترونية، ويمتد إلى مجالات لم تكن ضمن أولويات الخطط الدفاعية في الدول التي بدأت في اتخاذ إجراءات للتأمين ضد هذه الهجمات منذ نحو ثلاثة عقود. كانت الأولوية القصوى في البداية لتأمين البنية الأساسية العسكرية، والمرافق الحيوية المرتبطة بالأمن القومي للدولة. فقد تبنت إدارة رونالد ريجان في بداية الثمانينيات أول استراتيجية وطنية لتأمين أجهزة الكومبيوتر في المنشآت الأساسية للولايات المتحدة. وحدث تجديد مستمر في هذه الاستراتيجية، سواء من خلال تطوير مهارات التعاطي مع اختراق شبكات الكومبيوتر التابعة لوزارة الدفاع بصفة خاصة، أو عبر استحداث اختبارات لقياس مدى استعداد المؤسسات الأساسية للتصدي للهجمات الإلكترونية، ومعالجة أوجه الضعف والقصور فيها. كما أُنشئت وحدة متخصصة في هذا المجال في البنتاغون عام 2009.

ووضع عدد متزايد من دول العالم استراتيجيات أو خططاً مشابهة بدرجة أو بأخرى. لكن استراتيجيات الدول الكبرى تجاوزت مواجهة الهجمات الإلكترونية إلى شنها. وكانت الحرب على العراق عام 2003 أول تطبيق شامل لهذا النوع الجديد من الحروب. فقد استهدفت الضربة الأميركية الأولى تعطيل شبكة الاتصالات الخاصة بالجيش العراقي، وشل أجهزة السيطرة والتحكم، الأمر الذي حقق الحسم العسكري قبل أن تتحرك قوات محدودة على الأرض. وأصبح الهجوم الإلكتروني على أهداف عسكرية مغرياً، سواء لأجهزة أمنية في بعض الدول وعملاء تابعين لها، أو لمحترفي القرصنة الإلكترونية «الهاكرز» من الأفراد الذين يُتقنون فنونها.

وقد تحدث وزير الدفاع الفرنسي في المقابلة المشار إليها آنفاً عن زيادة كبيرة في عدد الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها وزارته، وقال إنه تم إحباط حوالي 24 ألف هجوم خلال عام 2016 فقط.

غير أن «حروب السيبر» تتوسع بسرعة، إذ لم تعد مقصورة على الأهداف العسكرية. فقد امتدت إلى أهداف اقتصادية كانت تحظى عادة بدرجات أقل من التأمين، كما حدث مثلاً عندما هاجمت كوريا الشمالية شركة سوني عام 2015 وألحقت بها أضراراً كبيرة.

وما أن ازداد الاهتمام في العامين الأخيرين برفع مستوى تأمين المشاريع الاقتصادية الكبرى حتى أظهرت الانتخابات الأميركية الأخيرة الحاجة إلى توسيع نطاق الحماية من الاختراق الإلكتروني، لتشمل مجالات لم تكن في الحسبان مثل العمليات الانتخابية.

وهكذا تزداد كل يوم أهمية السؤال عن الآثار التي يمكن أن تترتب على التوسع في «حروب السيبر» في عالم يشهد الآن أعلى معدلات الاضطراب منذ سبعة عقود على الأقل.