محمد خروب

الايام الخمسة التي تفصلنا عن اجتماع استانا, مُحمَّلة بالمفاجآت والضرب تحت الحزام ومحاولات اطراف عديدة تحسين شروط التفاوض, او وضع شروط جديدة تسبق انعقاد المؤتمر, الذي بات في شبه المؤكد, انه لن يكون على مستوى وزاري بل الخبراء «العسكريون والقانونيون» هم الذين سيتولون «إنضاج» احد او ابرز اهداف المؤتمر, وهو تثبيت وقف اطلاق النار الهش الذي تم التوافق عليه يوم 29 كانون الاول الماضي، وما يزال عُرضَة للخرق والتجاوزات التي تقود الى تبادل اتهامات بين طرفي الحكومة الشرعية والفصائل المعارضة, التي ما تزال تحت صدمة هزيمتها الكبرى في شرقي حلب وتبحث دائما عن مبررات وأعذار لتحميل الجيش السوري مسؤولية هذه الخروق المتواصلة, على اكثر من جبهة وبخاصة في قرى وادي بردى، التي تستخدمها تنظيمات المعارَضة الارهابية وعلى رأسها جبهة النصرة/فتح الشام، كورقة اخيرة في يدها للضغط على الحكومة السورية, وبخاصة انها تتوفر على مياه نبع عين الفيجة الذي يُغذّي العاصمة دمشق وضواحيها بمياه الشفة.

واذ بات واضحا ان الفصائل السبعة التي وقعت اتفاق وقف اطلاق النار وقد اختارت محمد علوش القائد «السياسي» لجيش الاسلام المتمركز في الغوطة الشرقية كمعقل رئيس له، فانها بذلك تسعى الى تعقيد المباحثات كون هذا الشخص ارهابي موصوف ومُتشدِّد يتلقى اوامره من عاصمة عربية اصرّت على أن يكون هو بالذات رئيسا لوفد المسلحين الى استانا، وفق ما كشفت محاضر جلسات تمت بين وفد تركي برئاسة رئيس المخابرات التركية حقان فيدان خلال زيارة «سرِّية» له لطهران ، فان الجدل الذي اندلع بين الأخيرة وموسكو حول المشاركة الاميركية في استانا, ومعارضة ايران أي دعوة لها, فيما يُواصِل رئيس الدبلوماسية الروسية المحنّك سيرغي لافروف القول بانه «يُحبِّذ» مشاركة واشنطن, بل كشف انه تم ارسال دعوة للفريق الانتقالي لإدارة ترامب لحضور المؤتمر ولم يُرَّد عليها.. بعد، ناهيك عن التصريح المفاجئ واللافت بل المُدوّي الذي اختار لافروف توقيته الحساس ليقول: ان الانخراط الروسي في الازمة السورية جاء «لإنقاذ» دمشق التي كانت على وشك «السقوط» في يد الارهابيين خلال اسبوعين او ثلاثة.. قبل ذلك الانخراط، زاد ذلك كله من التكهنات والتوقعات (وان كان معظمها بالِغ الرغائبية) بوجود خلاف «صامت» آخذ بالتحول الى خلاف «علني» بين طهران وموسكو.

فهل ثمة امكانية ماثلة لتدهور محتمل بين الطرفين الأكثر فاعلية في الازمة السورية؟

من التسرع المُفرِط الذي يُعادِل السذاجة السياسية والدبلوماسية, الاعتقاد بان الطلاق بينهما وارد او قريب, وبخاصة في هذه المرحلة التي يترقب فيها الجميع بحذَر, الخطوات التي سيُقدِم عليها الرئيس الاميركي الجديد بعد تسلمه سلطاته الدستورية رسميا الجمعة 20 كانون الثاني الجاري، تجاه البلدين, روسيا وخصوصا ايران، حيث «إشارات» بدأت تطفو على السطح في ما خص الاتفاق النووي الايراني, بإعلان الدول الخمس الاخرى المُوقِّعة عليه, انها ستلتزم بنود الاتفاق وتنفيذه, وكان بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني صريحا في ذلك, ناهيك عن المانيا وروسيا وفرنسا والصين, ما يُصعِّب على واشنطن الذهاب منفردة لتعطيل اتفاق نال دعم وموافقة مجلس الامن.

لم تَتَظهَّر بعد «صفحة» الخلافات بين طهران وموسكو حتى في شِقها الاميركي، بين دعوة الحضور ام لا, وايضا في ظل تصريحات تتحدث عن واشنطن ستُدعى «كمراقب» في المؤتمر, وهو امر ان تم – ولا نحسبه سيتم – لن يُؤثِّر في مشاركة واشنطن المقبلة عندما ينعقد «مؤتمر جنيف» في الثامن من شهر شباط القريب, بافتراض أن مباحثات استانا ستُفضي الى نتائج عملية وتوافق بين الوفد السوري الحكومي وفصائل المعارضة, التي لا يبدو انها متوافقة تماما على المشاركة وجدول الاعمال وغيرها من الامور التي تعكس اختلافات وصراعات بين هذه الفصائل, اكثر مما تؤشر الى جدية ورغبة في اغتنام الفرصة الراهنة, لإحداث اختراق في الازمة السورية باتجاه تقديم منطق الحل السياسي على منطق المواجهة, وهو أمر تقف حياله دمشق موقفا حازماً, اذ انها لا ترى في لقاءات استانا مجرد سعي لتثبيت وقف اطلاق النار وتحديد الآليات والوسائل لمراقبة تنفيذه, بل هناك من بدأ يتحدث عن «القبعات الزرق» (دون الخوض في جنسياتها) للتأكد ميدانيا من التزام الافرقاء بوقف اطلاق النار هذا، بل هي (دمشق) معنية بان يكون وقف اطلاق النار الذي يُراد تثبيته, فرصة لدفع المسار السياسي لا ان يكون فرصة للمسلحين وداعميهم لاعادة هيكلة فصائلهم وتزويدها بالاسلحة وتصبح خطوط التماس«الهدنة مثابة»حدود بين «دولتين».

ثمة ما يُقال هنا ايضا, عن سذاجة بعض الذين يعتقدون وبخاصة لدى المعارضات السورية, ان احدا ستنطلي عليه لعبة «العسكريين» والخبراء الذين سينتهي دورهم بمجرد انتهاء لقاءات استانا ويتم الاتفاق على تثبيت وقف اطلاق النار, بل سيبقى لهم دور في العملية السياسية سواء في صياغة الدستور الجديد ام في تحديد وتشكيل ملامح المرحلة المقبلة لسوريا في الطريق الى انهاء الازمة، وهو الأمر الذي تُعارضِه المعارضات السياسية الفاشلة, التي قادتها ذات يوم «هيئة» رياض حجاب واسعد الزعبي والتي ظنت انها الممثل «الشرعي والوحيد» للمعارضة السورية, فاذا بها تجد نفسها الآن ,على رصيف الشارع و...هامش المفاوضات.