أحمد المرشد 

عندما تحدثنا الأسبوع الماضي عن رؤية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد السعودي لتقوية المنطقة، أشرنا الى الأزمات المتلاحقة التي تعيشها المنطقة أو العلل كما وصفها الأمير محمد بنفسه، وكان على رأسها إيران، فهي تنشر «الايديولوجيات بلا حدود٬ وتخلق حالة عدم الاستقرار٬ وتشيع الإرهاب».. وهو ما دفع وزير الدفاع السعودي الى رفضه المطلق التفاوض مع إيران التي تواصل تصدير ايديولوجيتها الإقصائية٬ والانخراط في الإرهاب٬ وانتهاك سيادة الدول الأخرى، ولهذا فلن يتم التعاون معها مطلقًا. وللتذكير أيضا، فإن تصريحات الأمير محمد بن سلمان عن التعاون لم تكن عشوائية، وإنما جاءت كما اسلفت ردًا لما تتعرض اليه المنطقة من أزمات ومن بينها دعوة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الى ضرورة التعاون بين السعودية وإيران باعتبارهما أكبر قوتين في المشرق العربي.
وإذا كنا أشرنا سابقًا الى حجم الخلاف السعودي - الأمريكي خلال ولايتي باراك أوباما، وما فعله الأخير من أجل إنهاء التحالف الأمريكي - السعودي، فإن باراك أوباما نفسه لم يسيء للسعودية أو المنطقة فقط، فهو أساء لنفسه ولبلاده وجعل منها أضحوكة في العالم بعد أن كانت قوة عظمى يشار لها بالبنان وتخشاها أي قوة أخرى في العالم. فباراك أوباما الذي يجب تقديمه لمحاكمة دولية أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تدمير دول المنطقة وتعذيب شعوبها وإضرام النيران فيها بحجة نشر الديمقراطية، هو نفسه الشخص الذي خدع العرب والمسلمين منذ مجيئه رئيسًا، فالكل اعتقد أن الرئيس الأمريكي الذي ينحدر من جذور إفريقية ويحمل اسمًا مسلمًا بجانب اسميه المسيحي واليهودي، سيكون رؤوفًا بالعرب والمسلمين.. ولكنه كان من أسوأ الرؤساء الأمريكيين، وكلنا نعلم لماذا؟ فهو الذي حاول أو زعم أنه سينشر الديمقراطية في المنطقة، وفشل ورأينا مدى فشله، ولكن للأسف لم يتوقف الفشل عند حدود أوباما وبلاده، وإنما الفشل طال المنطقة أيضا.. فرأينا الخراب الذي لحق بسوريا والسوريين، والعراق حاله أمامنا لا يسر عدو ولا حبيب، وإذا تحدثنا عن اليمن، سنجد أنه يعيش أسوأ عصوره، وليبيا ليست بأفضل حال من غيرها.
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يجب محاكمته هو وكبار مسؤوليه في ولايتيه الأولى والثانية، لأسباب عدة، قد نشير الى ما هو معلن منها، وعلى سبيل المثال ما جاء في كتاب وزيرة خارجيته في الولاية الأولى هيلاري كلينتون بعنوان «خيارات صعبة». فقد كشفت المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية وبدون أن تدري تقريبًا في كتابها، كواليس التورط الأمريكي في أزمات المنطقة، فهي تحدثت كثيرًا عن نشر الديمقراطية في المنطقة، ولكن بالمخالفة لآمالها تم نشر الفوضى والخراب في معظم دولها. واستخدمت كلينتون تعبير «الغرق في الرمال» وكانت تقصد به المنطقة، وهو تعبير تحول الى واقع فعلي، هذا بفعل التورط الأمريكي الذي عمل على نشر الفتن والتحريض على الانقسامات، فمثلاً عندما تبشرنا في الكتاب بأن رئيسها باراك أوباما كان يريد لمصر في بداية ثورة 25 يناير طريقًا نحو الديمقراطية، إلا أنه كان يتخوف أيضا من فوضى الانهيار المفاجئ للنظام. كما كشفت المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، أن بلادها كانت تعلم حجم الخراب والفوضى الذي يحدثه غياب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن الساحة. وكانت تعلم أيضا أن جماعة «الإخوان المسلمين» بكل تاريخها الإرهابي في مصر، هي القو ة الأكثر تنظيمًا وبالتالي تستطيع السيطرة على السلطة في مصر في غفلة من الزمن.
ومن أكثر ما يدين الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ما اعترفت به هيلاري كلينتون في كتابها، عندما تحدثت عن الأمور السياسية الشائكة التي تلت ما حدث في تونس ومصر وما تلا ذلك من كوارث. فهيلاري كلينتون اعترفت بأن الكوارث كانت تحاك على مصر من قبل الأخوان المسلمين وبعض الدول الغربية، كما انها اعترفت ضمنيًا بأن الولايات المتحدة كانت وراء خراب سوريا وليبيا والعراق، وأن مصر كانت على حافة الهاوية لولا وقوف الشعب مع جيش مصر القوي، ولولا الوحدة بين الجيش والشعب، لكانت مصر نسخة مكررة مما يحدث حاليًا في سوريا وليبيا.
ويخطئ من يعتقد أننا العرب لوحدنا الذين ندين باراك أوباما، فنحن لا نكيل له الاتهامات اعتباطًا، ولعلنا نذكر أنفسنا والآخرين، أن ثمة مبادرة شعبية داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها طالبت بفتح الملفات المسكوت عنها في عهد أوباما، خاصة مع صدور قانون «جاستا» الأمريكي أو قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» حسب ما يسميه أعضاء الكونجرس. أما القضايا المسكوت عنها التي تتحدث عنها المبادرة الأمريكية فهي تتعلق بقضايا الإرهاب الغربي والأمريكي ضد الدول العربية. ولنا أن نعلم نحن العرب، أن المشاركين في هذه المبادرة انتقلوا بها الى الدول الأوروبية ويطالبون أيضا بمحاكمة قادة هذه الدول بالاضافة الى باراك أوباما باعتبارهم مجرمي حرب ساهموا في تدمير مقدرات دول عربية وقتل وتهجير الملايين من شعوبها.. وتضم لائحة اتهام هؤلاء بنودًا طويلة وتفصيلية حول ما ارتكبوه من جرائم في حق الشعوب العربية، ومن بين هذه البنود أن الدول الأوروبية وأمريكا هم من خلقوا تنظيم «داعش» وغيره في المنطقة، حيث أن صناعة ودعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية هي من صنع الغرب وواشنطن. ووفقًا لما أعلنه المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، فقد تم تشكيل فريق من الخبراء والقانونيين لدى المركز يعكفون حاليًا على إعداد ملفات كاملة حول سبل التقاضي والإجراءات المتبعة أمام المحاكم التي تتمتع باختصاص عالمي، وطبقًا للقوانين المحلية التي تنتهج عالمية الاختصاص. والمعروف أن المركز العربي دشن من جانبه حملة دولية لمقاضاة حكومة الولايات المتحدة وقادة حاليين وسابقين لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، ومحاكمتهم أمام قضاء عالمي متخصص.
ونحن نتذكر خيبات الرئيس الأمريكي السابق المدعو باراك أوباما، علينا أن نسترجع مضمون الرسالة التي وجهها الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية وسفير المملكة السابق في واشنطن لأوباما العام الماضي، وهي الرسالة المهمة التي حذره فيها الأمير الفيصل من السير بقوة نحو التحالف مع إيران وترك حلفائه القدامى في المنطقة. وكشف الفيصل دور الولايات المتحدة في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط. كما رفض وصف الرئيس الأمريكي أوباما للسعودية بأنها «راكب مجاني» حيث كانت السعودية تضطلع دائمًا بدور محوري ومهم في جهود مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإن السعودية قدمت للولايات المتحدة معلومات استخباراتية لمنع هجمات قاتلة عليها.
وكتب الأمير الفيصل في مقاله مخاطبًا أوباما: «تتهمنا بإذكاء الفتنة الطائفية في سوريا والعراق واليمن، ثم تزيد الطين بله وتطلب منا أن نتعايش مع إيران التي وصفتها أنت بأنها راعية للإرهاب!».
لقد انتهت ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فعليًا بتولي خلفه دونالد ترامب الرئاسة اعتبارًا من أمس، وعلينا نحن العرب والمسلمين بأن نجتهد فعليًا في تقديم أوباما للمحاكمة الدولية للنظر في جرائمه التي ارتكبها ضدنا، ومن ضمنها بطبيعة الحال خداعه لنا في خطابه الشهير بجامعة القاهرة عقب توليه منصبه والذي لم يحقق ما وعدنا به، وبدلاً من أن يعلن الدولة الفلسطينية، زادها خرابًا وسلح إسرائيل بأسلحة جديدة قيمتها 38 مليار دولار. فهو إرهابي بحق، فقد ترك المنطقة مدمرة وساعد في تأجيج الصراع الإقليمي وأخفق في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ونحمد الله أن مشروعه فشل في مصر، لأنه لو نجح لكان العرب جميعًا في خبر كان حاليًا. ونتذكر لأوباما في خطابه بجامعة القاهرة أنه تحدث عن بداية أمريكية جديدة بالمنطقة، ولكنه أنهى عهده بنهاية مؤسفة للمنطقة والواقع يدل على مدى مأساة هذه النهاية، فقد أعاد المدعو أوباما وإدارته الفاشلة تقسيم المنطقة بعد مائة عام من تقسيمها في «سايكس - بيكو»، وزاد تفتيتها، وادعى أنه سينشر الديمقراطية فيها، فنشر الخراب، وتحطمت البيوت والمنازل وضواحي ومدن كاملة، ليست فقط البيوت التي تحطمت وتحولت الى كتل أسمنتية مبعثرة هنا وهناك، وليس الجماد لوحده الذي انهار في سوريا والعراق واليمن وليبيا، بل النفوس والقلوب أيضا نالها ما نال من البيوت والمنازل والمدن والضواحي من أفعال هذا الرجل الذي لا يجب أن يعيش هكذا، بل يجب أن يكون مصيره السجن جزاءً على ما اقترف في حقنا.
لقد أنشئت المحكمة الجنائية الدولية لمثل هؤلاء القادة الذين دمروا العالم، وعلى رأسهم باراك أوباما، الذي طالبنا بالتعاون مع إيران بعدما صفح عنها ورفع الحظر الاقتصادي لتعيد بناء قوتها النووية لتهدد بها منطقتنا، ولم يعلم أوباما أن أول من ستطاله النار الإيرانية هي بلاده، فمصالح أمريكا هي التي ستتضرر أشد الضرر. ولكن الرئيس الأمريكي الذي غادر البيت الأبيض غير مأسوف عليه، استكبر أن يستمع لنصيحة القادة الخليجيين والعرب له، نصيحة لو أعقلها لرفعنا له القبعة، ولكنه - أي أوباما - مثل الحمار الذي يحمل أسفارًا.