أحمد عبد الملك

بدأت الدعوات من المملكة الأردنية الهاشمية تصل إلى القادة العرب لحضور الدورة الثامنة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القادة في شهر مارس القادم. وحقيقة الأمر أن اجتماع القادة العرب وتداولهم شؤون الأمة العربية، حدثٌ مهم وإيجابي إن تهيأت له ظروف النجاح.

ومن خلال التجارب السابقة، فإن معظم القمم العربية، خصوصاً بعد التغيرات التي حدثت في العالم العربي خلال السنوات العشر الماضية، لم تُحقق ما تصبوا إليه الشعوب العربية، بقدرَ ما زادت من الاحتقانات السياسية، ومحاولات إثبات الذات لدى بعض الجهات.

كما أن الجامعة العربية أصابها الوهن، ولم تفد محاولاتُ رفع «هِمّتها»، رغم الجهود المبذولة في هذا الاتجاه. وهنا لا نريد تسجيلَ موقف ضد الجامعة، قدرَ ما نريد التنبيه إلى ضرورة إجراء تقييم لتكدس الموظفين فيها دون أن يكون لهم دور محدد، مع العلم أن الجامعة جهاز تنسيقي لا يتخذ القرار وإنما يُعده ويضعه أمام المؤتمرين.

إن الخريطة العربية اليوم لا تضمن نجاحَ القمة العربية، وذلك لوجود خلافات حول بعض المسائل الشائكة، والتي لم تحلها القمة السابقة ولا التي سبقتها. ومن أبرز ملامح هذه الخريطة: النزاع في العراق، والذي لم يتوقف منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، مما كلَّف العراقيين الكثير، خاصة في ظل التوجه الطائفي وسيطرة نزعات «الانتقام» من كل ما يرمز إلى النظام السابق، الأمر الذي أوجد بيئة لتغلغل الجماعات الإرهابية التي عاثت فساداً في العراق، ودمّرت الكثير من بنيته المادية والنفسية. كما أصبح العراق ساحة لتدخلات أجنبية مباشرة، خصوصاً من جانب إيران التي اختارت مساندة النظام الطائفي وترسيخه، ثم مدت يد تدخلها إلى سوريا، لتدخل هي الأخرى حالة نزيف مستمر منذ انطلاق حراكها المطالب بتحقيق الحرية والكرامة في ظل نظام تعددي ديمقراطي، حيث أرسلت إيران خبراءها وعسكرييها، في تدخل واضح، كما تدخّلت ميليشيا «حزب الله» بمؤازرة إيرانية في الأراضي السورية، وأصبحت أحد أعمدة اللعبة القذرة التي أوصلت سوريا إلى حالتها الراهنة من دمار وتفتيت للمؤسسات، وهجرة ونزوح لملايين السوريين إلى المنافي الداخلية والخارجية، دونما أمل في العودة! كما أعطت الولايات المتحدة الإشارة الخضراء لروسيا للتدخل في سوريا دون أدنى اهتمام بمصير البلد وشعبه. ولسوف يحمّل التاريخُ الرئيسَ أوباما الكثير مما حدث في سوريا، لأنه لم يمارس دور زعيم الدولة العظمى.

والحال في اليمن ليس أفضل منه في سوريا، إذ طال أمدُ الحرب - خلافاً لما كان متوقعاً عند انطلاقها- لأن الذين انقلبوا على السلطة الشرعية تلقوا الدعم المباشر من إيران، ما مكّنهم من الصمود إلى الآن!

الحكومة الليبية تُطالب بالعون، فالعونَ الأممي غير كافٍ، والأردن يتحمل أعباء كبيرة بسبب وجود السوريين في الأراضي الأردنية. ولبنان أيضاً لديه مشاكل وظروف صعبة، بسبب الوضع الاقتصادي الرخو، وكذلك بسبب النازحين السوريين على أرضيه.

العلاقات العربية العربية ليست في أحسن حالاتها، خصوصاً فيما يتصل بالعلاقات بين بعض الدول المحورية! ولم تجرِ إلى الآن محاولات كافية لتنقية الأجواء على الطريقة العربية المعهودة، ولتَصفية النفوس وتَليين المواقف.. بُغية الوصول إلى قرارات ترقى إلى طموح المواطن العربي.

ماذا إذن ستفعل البقية الصامتة داخل الجامعة العربية؟ وماذا سيفعل القادة العرب في ظل أوضاع صعبة لا تساعدهم في حلها الجامعة العربية؟

نعتقد أن القمة العربية المقبلة ستكون حملة لجمع «التبرعات» من أجل الدول الميسورة لصالح الدول المأزومة.. ليس إلا!؟