سمير عطا الله

أراد الفرنسيون أن تكون مصر هي «هندهم». فيما يستغل البريطانيون ثروات شبه القارة الهندية، يستغلون ثروات مصر، ومنها يمتدون إلى أفريقيا، ويشكلون إمبراطورية منافسة. ولذلك، جاء نابليون إلى مصر ومعه جميع «أدوات» الاستعمار: العلماء، والمطابع، والعسكر. وزّين له الرّحالة الذين سبقوه إلى أرض النيل، أن المصريين سوف يكونون في استقباله بالأهازيج وأقواس النصر، لكنهم استقبلوه بالحرب والقتال، تساعدهم في ذلك الأمراض التي دبت في جنوده.

دعا الفرنسيون، في البداية، إلى ربط النيل بالبحر الأحمر. ثم رَّوجوا لفتح قناة السويس للوصول سريًعا إلى أسواقهم الجديدة. وساهم فك أسرار اللغة الهيروغليفية، ثم شق القناة في أعظم الأعمال التي أدت إلى نهضة مصر الحديثة، وكشف ثرواتها التاريخية. وكانت القناة إحدى علامات الاستعمار أو «الإمبريالية» الاقتصادية، لكنها تحّولت العام 1956 إلى نقطة خروج تاريخي للفرنسيين والبريطانيين مًعا، بعد صراع شديد على مصر - والعالم العربي - امتد منذ حملة نابليون، التي تركت آثاًرا حضارية لا حد لقيمتها.

الصراع الأوروبي على مصر أّدى في مجالات كثيرة إلى منافع دائمة لمصر. تنافس الرحالة والعلماء، بمن فيهم الإيطاليون، على البحث في آثار مصر وتاريخها. وتنافس التجار في البحث عن أبواب الاستثمار فيها.

وتحولت زراعة وتجارة القطن إلى دخل قومي أساسي، إلى جانب دور القناة في تعزيز الاقتصاد. وتحولت مصر إلى مركز إقليمي لأشكال عدة من أشكال النهضة، في الصناعة والزراعة والصحافة والمصارف، تجتذب إليها الممولين والخبراء من أوروبا المجاورة والعالم العربي. أي من اليونان وإيطاليا إضافة إلى بريطانيا وفرنسا.

وإلى جانب التجارة والصناعة، نقل هؤلاء معهم كذلك مدارسهم ومعاهدهم. ولا تزال كلية فيكتوريا، التي أُنشئت أول القرن الماضي، معهًدا يتخرج فيه نخبة المصريين والعرب. وكان من أشهر الخريجين الملك حسين. ومن رجال الأعمال العرب الشقيقان غازي وغسان شاكر، وعدنان خاشقجي. وأرسلت أم عمر الشريف ابنها إلى الكلية، لأنه بدين، ونظام الكلية الصارم كفيل بتنحيفه. وتخرج معه أيًضا أحمد رمزي. وبين الإعلاميين من خريجيها، الشقيقان عماد الدين وعمرو أديب. ولكثرة ما تخرج فيها من بارزين وبارعين، سماها البعض «كلية الأسماء».