رضوان السيد

فاجأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، العرب والعالم، بالعرض الذي قّدمه لإمكانيات التعاون الإيراني - السعودي في سوريا واليمن، بعد النجاح في لبنان! وما حمل أكثر المراقبين تصريح الوزير الإيراني على محمل الجّد. وكان في طليعة الذين أنكروا حصول التعاون رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.

وحجته في ذلك ليست قوية، لأنه يريد نسبة «التسوية» على رئاسة الجمهورية إلى نفسه من جهة، وإلى الرئيس الحريري من جهٍة ثانية. ثم إنه قال بعدم علمه بوجود تواصل بشأن الأزمة اللبنانية. لكّن المراقبين العرب واللبنانيين رّجحوا عدم حصول التعاون لأسباب أخرى، أهُّمها أّن «التسوية» لكي تكتسب هذا الاسم ينبغي أن تمّثل حلاً وسًطا، بمعنى أّن الجنرال عون هو مرَّشح حزب الله منذ عام 2008، ولذلك كان ينبغي لكي يصَّح زْعُم التواصل والتعاون أن يأتي مرشٌح ثالٌث غير مرّشح حزب الله (عون)، وغير مرشح سعد الحريري قبل الأخير (سليمان فرنجية). وإذا كانت التسوية التي يقترحها ظريف على شاكلة ما زعم حصوله في لبنان،
أي لصالح إيران، فعلى هذا القياس ينبغي أن يبقى بشار الأسد حبيب الخامنئي رئيًسا لسوريا إلى الأبد، وأن أتي حبيب إيران الآخر باليمن عبد الملك الحوثي مثلاً، رئيًسا أو إماًما لذلك البلد!

وعلى أي حال، وبغّض النظر عن صحة التواصل بشأن لبنان، فإن المشهد يتركز الآن على سوريا واليمن والعراق. وقد كانت إيران تفضل ألا يجتمع أحد بأحد بشأن سوريا قبل الاستيلاء على بقية القلمون ووادي بردى وبعض نواحي الغوطة. وأن تحصل حملة على إدلب بدلاً من «داعش»، باعتبار أن «النصرة» متمركزة فيها إلى جانب الآخرين، وهي التنظيم الرئيسي هناك. لكن روسيا وعدت الأميركيين والسعوديين بهذا المسار بعد واقعة حلب الرهيبة. بيد أن المشهد غير مطمئٍن على الإطلاق. ما حضر في آستانة طرٌف عربي. 

وقد قيل صراحًة إّن المؤهلين للحضور هم الذين لهم قواٌت على الأرض، أي روسيا وإيران وتركيا! ولأنه ليس لتركيا اليد
العليا، فإنه لا قاَع لتناُزلاتها، لأن همها الرئيسي عدم تمركز الأكراد المسلمين على حدودها، وهو ما تضمُنُه لها روسيا ولا تحبه إيران. 

وهناك أمور أخرى غير واضحة حتى الآن، أولها تثبيت وقف إطلاق النار. والنظام السوري والإيراني لن يلتزما بالطبع، ويستطيعان القول دائًما إنهما يقاتلان الإرهابيين. فبشار الجعفري ممثل النظام في آستانة سَّمى مفاوضيه من المعارضة المسلحة جميًعا إرهابيين! وثانية المشكلات الأطراف التي سُتدعى لجنيف، والسيناريو الإيراني التلاُعب بين تركيا والسعودية. 

والطموح الآن أن يتواصل المصريون والسعوديون بحّق بشأن سوريا، بعد إعلان مصر عن استمرار مشاركتها في اليمن. وينبغي أن يكون للعرب دوٌر في تحرير الرقة من «داعش»، حتى لا يتهجر العرب السَّنة من هذه المدينة أيًضا. وما استطاعت قوات «درع الفرات» التقدم في معركة الباب، ويقال إن روسيا تريد مشاركة النظام السوري، لأن تعاُوًنا يمكن أن ينشأ بين تركيا والنظام ضد مسَّلحي الأكراد. بينما ينبغي النظر إلى المسألة من وجٍه آخر، هو حصول منطقة مستقرة بيد المعارضة في شمال سوريا، بما في ذلك ما بين الباب ومنبج والرقة، لكي يمكن وجود تواُزن يسمح بالتفاوض. فالمعارضة المسلحة والسياسية هي اليوم الطرف الأضعف، وستزداد ضعًفا في جنوب سوريا بعد متغيرات السياسة الأردنية الأخيرة. هناك حاجٌة لعدم الاختلاف مع الأتراك، وحاجٌة أخرى للتنسيق السعودي - المصري - الأردني.

ويبقى المتغير أو المجهول الأميركي مع الإدارة الجديدة. ولسُت أرى مجالاً كبيًرا للتغيير ما دامت روسيا تتحمل العبء الأكبر، وما دام ترمب يريد تحسين العلاقات مع روسيا. ولأّن «داعش» سيقاوم في الرقة ودير الزور بشدة، وكذلك في غرب دجلة بالموصل، فإّن الحرب ستكون طويلًة في العراق كما في سوريا. 

وإذا كان «داعش» هو المشكلة في الواجهة فإّن «النصرة» هي مشكلٌة أيًضا في سوريا، في نظر أميركا وروسيا وإيران على الأقّل. أما الحقيقة فهي أّن المشكلة الأكبر حًقا تبقى في غياب المشروع العربي أو البديل العربي في سوريا والعراق. فالسنة العرب ضعفاء جًدا بالعراق، وما عادت عندهم قيادات معتبرة. والعرب السوريون المسلحون شرذم المتطرفون صفوفهم، أما غير المسلحين فقد صاروا جميًعا في الخارج، أما المشهد الداخلي في المناطق المحررة، فإن المسلحين من شتى الأشكال هم الذين يتقاسمونه. 
فالتدخل العربي ضروري في سوريا والعراق، لإنهاء الحروب من جهة، ولحفظ الهوية والانتماء من جهة أخرى، ولإعادة الإعمار والاستقرار من جهٍة ثالثة.

والوضع اليمني مختلٌف كثيًرا. ففي العراق وسوريا ما عاد يمكن إقصاء إيران، أما في اليمن فلا يزال ذلك ممكًنا، بل هو ضروري. فقوات الشرعية تتقدم على السواحل الاستراتيجية، وينبغي أن تزيل الانقلابيين من المحافظات الوسطى. وإذا تحررت السواحل لجهة باب المندب ولجهة ميدي والطوال، فإّن وصول السلاح إلى الانقلابيين سيكون صعًبا جًدا، وعندها قد يعود الانقلابيون إلى حجمهم الطبيعي فيمكن التفاوض معهم. 

وهذا يقتضي بعد ضبط السواحل والمحافظات الوسطى الاستمرار في التضييق على صنعاء وصعدة. وإلى الصبر والدعم والموارد وقوات التحالف، فإنه ينبغي أن يزول هذا الكلام عن الحساسيات بين الشمال والجنوب، ليس من أجل استمرار الوحدة، بل من أجل نجاة الشمال والجنوب، ولارتباط مصيرهما بحًرا وبًرا. إّن التسوية بين اليمنيين تظل ممكنًة رغم ظهور جيل متأيرن. ولا حاجة لتوسيط الإيرانيين أو إدخالهم إلى بطن اليمن والجزيرة.

آستانة علامة فارقة بعدما حدث في العراق بعد عام 2003. فقد انتهت الغربة عن العالم العربي إلى حدود التفاُوض بين الأميركيين والإيرانيين على انسحاب القوات، دونما إشراٍك حتى للأمم المتحدة. 

وقد تراجعت أمورنا في سوريا بين عام 2012 واليوم. ففي العام 2012 وعلى مشارف «جنيف - 1» ما كان مسموًحا بحضور إيران للاجتماعات، وكان الأميركيون والروس يتفاوضون بحضور العرب ثم تركيا. واليوم في آستانة لا يحضر عربي بينما يحضر الإيرانيون. وإذ آل الأمر إلى ذلك، فينبغي أن يكون الحرص العربي شديًدا للعودة إلى العراق، والثبات في سوريا، ولو من طريق إقناع الأتراك والروس والأميركيين، بضرورة العرب للخلاص من «داعش».

يقول الروس إّن وظيفة لقاء آستانة تثبيت وقف إطلاق النار، وبعدها يكون الذهاب إلى جنيف من جديد. وسيحضر هناك بالطبع العرب والإيرانيون. لكّن حضور جنيف ما عاد ضمانة. بل لا بد من التدخل العربي في سوريا بأي شكل، بحيث ينفرض الوجود على الأرض، ويلتف من حوله السوريون، لكي يصبح التغيير ممكًنا بقياداٍت معروفة.