عبد الله المدني

تعد العلاقات الخليجية - الهندية، من المواضيع ذات الأهمية المتنامية في ظل الدور المتصاعد الذي يضطلع به كلا الطرفين على الساحتين الإقليمية والدولية. فالهند اليوم من القوى العالمية الصاعدة التي سيكون لها تأثير كبير في الساحة الدولية في المدى المنظور، بينما تظل منطقة الخليج، كما كانت دوما، ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة بسبب موقعها الإستراتيجي على الممرات المائية المهمة، ومخزونها الكبير من الطاقة.

لقد لعبت العوامل الجغرافية والتاريخية والدينية والثقافية، وما ظهر على هامشها من تواصل اجتماعي وفكري دورا في ارتباط الخليج بالهند بعلاقات أزلية راسخة تعود جذورها إلى الأزمنة السحيقة. صحيح أن التطورات التي طرأت على المشهدين السياسي والاقتصادي محليا وإقليميا ودوليا، انعكست على تلك العلاقات ما بين صعود وهبوط في بعض الحقب التاريخية، غير أن الصحيح أيضا أن تواصل الطرفين ظل قائما دونما انقطاع، الأمر الذي لا تفسير له سوى رسوخ روابطهما وتجذرها في الأرض، وتمتعها بنوع من المناعة ضد التحديات والمتغيرات.

ولأن الهند اليوم تقفز قفزات واسعة نحو الصعود إلى مراتب الدول الكبرى، بل تحتل موقعا سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعلميا بارزا بين الكبار، في الوقت الذي تواجه فيه دول الخليج العربية جملة من التحديات والمعضلات على الأصعدة السياسية والأمنية والتنموية وخلافها، فإنه والحالة هذه، يُفترض بعث العلاقات القديمة بين الجانبين وتجديدها وتعزيزها لما فيه مصلحتهما المشتركة، خصوصا أنه لا يوجد للهند ماض استعماري، ناهيك عن حقيقة عدم وجود قضايا خلافية بين الجانبين حول المياه والأراضي والحدود من تلك التي قد تحول دون شراكتهما، علاوة على أن كثيرا من الملفات والقضايا البينية الشائكة التي أزمت علاقة الهند ببعض الأقطار الخليجية في حقبة الحرب الباردة، قد أغلقت إلى الأبد أو في طريقها إلى الإغلاق.

ومن هنا كانت زيارة خادم الحرمين الشريفين - المغفور له بإذن الله - الملك عبدالله بن عبدالعزيز للهند في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2004، وحلوله ضيف شرف في احتفالات الهند بيومها الوطني، حدثا تاريخيا بكل المقاييس لأنها كانت الأولى لعاهل سعودي للهند منذ زيارة المغفور له الملك سعود لتلك البلاد في كانون الأول (ديسمبر) عام 1955، ثم لأنها بددت كثيرا من الهواجس والشكوك النابعة من اختلافات تحالفات البلدين الإقليمية والدولية، وبالتالي وضعت أسسا جديدة لشراكة استراتيجية تخدم الهند مثلما تخدم المملكة العربية السعودية وبقية شريكاتها في مجلس التعاون الخليجي.

وعلى المنوال نفسه، وانطلاقا من رغبة هندية قوية لتعزيز علاقاتها المتشعبة وروابطها البينية المتنوعة مع دول الخليج العربية، اختارت الحكومة الهندية الفريق أول ركن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي ضيف شرف في احتفالاتها بالعيد الوطني الـ 67، وقد ثمن الشيخ محمد بن زايد هذه المبادرة الهندية التي، لا يحظى بها إلا قادة الدول التي تراهن نيودلهي على مكانتها وسمعتها في العالم، وقام بزيارة رسمية للهند استغرقت ثلاثة أيام، زار خلالها العاصمة نيودلهي إضافة إلى مدينة مومباي، بوابة الهند الاقتصادية وميناء الهند الأثير الذي لا يزال عبق أجدادنا الخليجيين يفوح من أحيائها العتيقة دليلا على ما كان بينهم وبينها من عشق في حقبة ما قبل اكتشاف النفط، أي يوم أن كان الخليج يعتمد في اقتصاده على صيد وتجارة اللؤلؤ الطبيعي، وكانت مومباي تحديدا مكانا لتسويق هذا اللؤلؤ واستيراد جل السلع والبضائع، وأيضا مكانا للترويح والاستشفاء والتعليم، بل الإقامة الدائمة.

ومثلما حدث على هامش زيارة سابقة للشيخ محمد بن زايد إلى الهند قبل عام، ومثلما حدث أيضا على هامش زيارات قام بها قادة ومسؤولون خليجيون كبار لهذا البلد الصديق، فقد جرت محادثات تطرقت إلى سبل تعزيز علاقات التعاون والصداقة بين البلدين، والبناء على ما وصلت إليه العلاقات الثنائية من تطور في الفترة الماضية، والتنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، الأمر الذي يعكس مدى تطور العلاقات الخليجية - الهندية، من بعد عقود كانت فيها بوصلة الهند موجهة مع الأسف نحو الأنظمة العربية الراديكالية لأسباب لها علاقة بظروف الحرب الباردة والموقف من باكستان.

وحين التمعن في أهداف السياسات الخارجية الهندية ومحدداتها ومرتكزاتها، سنجد تقاطعا في ما بينها وبين السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، فالأخيرة، كما الهند، معنية بقضايا العولمة، والانفتاح الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية، والأمن والسلم العالميين بما فيها الأمن الإقليمي وأمن الممرات البحرية، ومكافحة الإرهاب والقرصنة، وإصلاح منظومة الأمم المتحدة، والتعاون بين دول العالم الثالث، وإخلاء العالم من كل الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل وفق اتفاقية دولية لا تستثني أحدا.

فلو أخذنا الأمن الإقليمي في الخليج على سبيل المثال لوجدنا أن وجهة النظر الهندية ترحب بفكرة أن يكون أمن منطقة الخليج مسؤولية المجتمع الدولي. وهذه تلتقي مع وجهة نظر كبرى الدول الخليجية (السعودية) على نحو ما صرح به وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل أثناء "حوار الأمن الخليجي" في المنامة في ديسمبر 2004 حينما قال للمرة الأولى إن "البعد الدولي للإطار الأمني المقترح يقتضي المشاركة الإيجابية للقوى الآسيوية التي برزت على المسرح الدولي حديثا خصوصا الصين والهند"، مضيفا أن "أمن الخليج يحتاج إلى ضمانات دولية لا يمكن توافرها على أساس منفرد حتى لو جاء من طرف القوة العظمى الوحيدة في العالم".