عبدالله ناصر العتيبي

 أهم وعدين قطعهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نفسه خلال السباق الانتخابي كانا في تقديري إحياء الحركة الصناعية من جديد في ولايات حزام الصدأ الممتدة من نيويورك شرقاً إلى ويسكونسن في الغرب الأوسط، والحد من هجرة المكسيكيين إلى الولايات المتحدة من خلال بناء جدار عازل على الحدود التي تفصل البلدين والبالغ طولها أكثر من ٣٠٠٠ كيلومتر.

وأتى بعدهما من حيث الأهمية وعدان آخران لامسا جزءاً مخفياً من وجدان الشعب الأميركي «المتعصب»، ودغدغا شعور التفوق العنصري المغلف بورق سولوفان جميل مرسوم عليه شعارات المدنية والتعددية والتسامح وقبول الآخر! الأول هو نقل سفارة أميركا في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، والثاني منع استقبال المهاجرين المسلمين بالكلية إلى أجل غير مسمى.

وعدان كبيران ووعدان آخران من تحتهما أسهمت في شكل أو بآخر في حصول ترامب على تصويت العدد الأكبر من الناخبين الكبار في الولايات الأميركية، وحملته إلى حيث كان يجلس الديموقراطي المنتهية ولايته، صاحب الأقوال الكثيرة والأفعال القليلة، كما وصفه ضمناً ترامب في خطبة تنصيبه.

هل يمكن أن يناور ترامب حول وعوده الانتخابية ويضعها في ثلاجة «الظروف المهيأة» كما يفعل السياسيون في العادة أم أنه سيمضي قدماً في تنفيذ ما وعد به في القريب العاجل؟

وكيف سيكون الوضع في أميركا والعالم في حال فعل؟ وكيف سيكون في حال لم يفعل؟

مشكلة الرجل، وهي بالمناسبة ميزته التي فاز بفضلها، وضوحه الشديد الذي قد يكلفه صدقيته وموثوقيته في الشارع الأميركي وعند زعماء العالم. الرجل ليس سياسياً متمرساً يستطيع أن ينفذ ما هو مقدور عليه من الوعود، ويلتف حول ما هو غير مقدور عليه بحيث يخلق له ألف مخرج ومخرج. إذا كان قادراً سيظهر بمظهر القادر، وإن لم يستطع فسيظهر بمظهر العاجز ما سيكلفه ويكلف حزبه الكثير من الخسائر!

إحياء حزام الصدأ من جديد وإعادة الحركة الصناعية لها يتصادم مع السنن الكونية والتاريخية، فترامب لا يسطيع أن يعيد ولايات الغرب الأوسط إلى ما كانت عليه قبل ثمانينات القرن الماضي لسبب بسيط جداً وهو أنه يلزم لحصول ذلك أن ينجح ترامب نفسه في إعادة برمجة كل ولايات أميركا وكل دول العالم من جديد لتعود إلى أجواء وعوالم تلك الفترة بما فيها الظروف السياسية التي كانت محفزاً رئيساً للحركة الاقتصادية! حلول المشكلات القائمة لا تأتي باستجلاب حلول سابقة كانت فاعلة في عهد مضى، وإنما بخلق حلول جديدة تعيد من جديد للعنصر الأبيض الأنجلوسكسوني البروتستانتي في هذا الجزء من أميركا، احترامه لنفسه ولسياسييه!

هذا الوعد الكبير يحتاج لخلق نموذج رفاه جديد في هذه الولايات، وهذا أمر يحتاج لسنوات عمل طويلة جداً، ما قد يفقد الناس صبرهم، ويكلف ترامب أكثر مما يطيق، خصوصاً أنه الرجل الواضح الذي لا يلف ولا يدور!

وبناء الجدار العازل بين الجنوب الأميركي والشمال المكسيكي بأموال مكسيكية أو من خلال تمويله بفرض ضرائب كبيرة على المنتجات المكسيكية (٨٠ في المئة‏ من صادرات المكسيك تذهب لأميركا)، سيجلب للبيت الأبيض مشكلات لا حد لها! إن أمضى ترامب وعده وعزل المكسيك فسيخسر شريكاً اقتصادياً مهماً، وسيضاعف من فرصة التيار السياسي المكسيكي المناوئ لأميركا بقيادة اليساري «لوبيث اوبرادور» بالفوز في الانتخابات المقبلة ما قد يجلب إلى المكسيك اقتصاد الصين وعسكرية روسيا، ويجلب للرجل الجمهوري في البيت الأبيض خليج خنازير جديداً! وإن لم يمض وعده فسيظل المهاجرون المكسيكيون الشرعيون وغير الشرعيين (٩ في المئة‏ من المولودين في المكسيك موجودون حالياً في أميركا) ينهشون في اقتصاد أميركا ويقطعون الطريق على الفقراء الأميركيين في ممارسة حظوظهم في المهن متدنية الأجور. إن فعل الرجل الواضح الذي لا يلف ولا يدور فسيخسر، وإن لم يفعل فسيخسر.

ونقل سفارة أميركا إلى القدس تنفيذاً لقرار سابق للكونغرس (أوباما أجل تنفيذه ١٦ مرة) سيشعل المنطقة ويحوّل المسلمين المعتدلين الذين لم يتحدث ترامب عن اجتثاثهم من الأرض إلى مسلمين متطرفين تحدث ترامب عن اجتثاثهم من الأرض! وسيقضي على حل الدولتين بشكل آلي ويجعل من أميركا راعياً رسمياً للاحتلال الاسرائيلي! فهل يستطيع الرئيس الجديد المغامرة بود حلفائه في المنطقة الذين يحاربون داعش والإرهاب أصالة عن أنفسهم ونيابة عن العالم وأميركا، ويتجاوز كل هذه القلاقل الشرق أوسطية ليحقق حلماً صغيراً لطبقة صغيرة متنفذة في قلب النظام الأميركي؟ هل هو قادر على مواجهة سياسيي البيت الأبيض وتمرير ما لم يمرروه طوال ٢٣ عاماً؟ إن فعل الرجل الواضح الذي لا يلف ولا يدور فسيخسر وإن لم يفعل فسيخسر.

أما آخر الوعود المتعلق بمنع هجرة المسلمين إلى أميركا، فإن الأمر سيان، فعل أو لم يفعل، فما ضر بميت إيلام! ويبقى سؤال هذه المقالة: هل ينجو ترامب من سيف وعوده حاد الطرفين؟ الـ100 يوم الأولى كفيلة بالإجابة.