فيصل العساف

السعودية هي «أول دولة غير الولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تنجز تحالفاً عسكرياً من مجموعة دول في الـ70 أو الـ100 عام الأخيرة»، بهذه الكلمات كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يثمّن للرجال المخلصين كما سمّاهم، الأدوار المميزة التي يقومون بها، وساهمت في تبوّؤ السعودية مكانتها المرموقة التي تستحق. 

في الواقع، ليس من العيب الاعتراف بحقيقة أن العالمين الإسلامي والعربي في شكل عام، يقبعان حالياً في ذيل قائمة التأثير في الساحة الدولية، لكن، ماذا عن السعودية؟ لماذا يجري الاهتمام بها دولياً بهذا الشكل اللافت؟ هل ذلك كله فقط من أجل المال! طرأت في بالي هذه الأسئلة وغيرها، وأنا أشاهد حفاوة الاستقبال الروسي للملك سلمان بن عبدالعزيز، وقبل ذلك اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب - في سابقة تاريخية - السعودية كي تكون محطته الأولى التي يستهل بها زياراته الخارجية، بعد توليه مقاليد الحكم في بلاده.

لمناسبة زيارة العاهل السعودي روسيا، وبالعودة إلى التاريخ ليس البعيد جداً، يمكن القول إن الاتحاد السوفياتي كان ينظر إلى العالم العربي من منطلق إستراتيجي بحت، لا تغيب عنه المصلحة السياسية لدولة عظمى تسعى إلى توحيد جهودها في مقابل المعسكر الغربي المنافس، وقد عبّر الزعيم السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف عن ذلك بقوله: «نتطلع إلى علاقات وثيقة مع العالمين الإسلامي والعربي، ذلك سيوفر علينا مزيداً من الأعباء الاقتصادية التي كنا سنتكبدها نتيجة عدم استقراره أو معاداته». 

ربما يفسّر ذلك أن السوفيات كانوا أول من اعترف بالدولة السعودية الوليدة عام 1926، أي قبل اعتراف واشنطن بحوالى 14 عاماً.

من ناحية أخرى، كانت العلاقات السعودية مع الاتحاد السوفياتي السابق، روسيا حالياً، لا تخلو من التقلبات السياسية صعوداً ونزولاً، فالسوفيات - في المناسبة - كانوا أول من اعترف بدولة إسرائيل أيضاً، التي احتلت واحداً من أهم الأماكن المقدسة لدى المسلمين، الأمر الذي كان بمثابة الصدمة وخيبة الأمل الكبيرة بالنسبة إلى العرب في ذلك الوقت، قبل أن يصبح السوفيات الداعم الأبرز والحليف الأقوى للجيوش العربية، وهي تخوض حربها ضد هذا الاحتلال! 

لكن، في شكل عام، كلا البلدين ظل يمسك جيداً بشعرة معاوية من أجل الإبقاء على تلك العلاقة في طور التفاهمات، فالشيوعية بمفهومها المناهض للأديان، شكلت عبئاً كبيراً على الجمهوريات الإسلامية المنضوية - رغماً عنها - في إطار الاتحاد السوفياتي، أما السعودية فقد كانت تنظر من موقعها الذي أهّلها لزعامة العالم الإسلامي، إلى تلك الممارسات السوفياتية بحق المسلمين في أراضيه، على أنها عدوان صريح، قبل قيامهم باحتلال البلد المسلم أفغانستان، الذي مثّل احتلاله القشة التي قصمت ظهر الدب الروسي، وأعلن عن فصل ظاهرٍ من صراع القوى والنفوذ، استقطب العرب والمسلمين إلى المعسكر الغربي هذه المرة، وانتهى بسقوط مهين، التهم في طريقه الإمبراطورية السوفياتية العظيمة، مؤذناً بعالم جديد غير متوازن، يمسك بزمامه الأميركيون فقط.

يحفـــظ الروس جيداً للسعوديين ما تقدموا به منتصف التسعينات المــيلادية من القرن الماضي، عندما عرضوا عليهم مساعدات مالية تساهم فــــي خروجهم من مأزق الانهيار المدوي، على رغم أن دولتهم يمكن أن تكـــون أكثر من أثخنَ في بلاد المسلمين قتلاً وتشريداً منذ بعثة النبي محــــمد صلَّى الله عليه وسلَّم، لا ينافسهم في ذلك سوى قبائل التتار ربما، ولــعــــل هذا أحد الأسباب المهمة التي جعلت للسعودية هذه المكانة المميّزة في المشهد الدولي، وأكسبها مزيداً من الاحترام، وأثبت بأنها دولة رصينة، ليس من مصلحة العالم ومجانين السياسة بعمومهم التفريط بها.

نتائج زيارة الملك سلمان «التاريخية» إلى روسيا، بكل تفاصيلها، بداية من خرق بروتوكول الاستقبال بأمر مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين، عندما وجّه نائب رئيس الوزراء بأن يكون في مقدم مستقبلي الضيف الكبير، وليس انتهاء بحميمية اللقاءات بين مسؤولي الدولتين، والتي أضفت نوعاً من الدفء على علاقات البلدين الصديقين، على رغم الصقيع الذي يغلف الأجواء الروسية، إنما هو تعبير آخر عن الإرادة السعودية الحرّة، التي لا تخضع لأية إملاءات، وتؤمن في المقابل بمبدأ تنوع الشراكات الذي يخدم الإستراتيجية السعودية وحدها، وينهض بها. في ما يخصّ الأميركيين، الحليف الإستراتيجي الأهم بالنسبة إلى السعوديين، فإنهم يعلمون جيداً أن هذا التقارب لا يشكل خرقاً لمصالحهم، فأميركا تتحالف مع الجميع، هذه حقيقة يجب التسليم بها، وهذا ما فعله السعوديون اليوم أيضاً، بانفتاحهم المبهر على العالم.


* كاتب سعودي