محمد صلاح

لماذا هذه الحماسة، التي قد يعتبرها البعض مبالغاً فيها، من جانب القاهرة تجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية؟ معروف أن العلاقة بين الإدارة المصرية وحركة «حماس» شهدت على مدى السنوات التي أعقبت أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، تدهوراً وصل إلى الذروة، عقب ثورة الشعب المصري على حكم «الإخوان» وإطاحة محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، إلى درجة خضوع عدد من قادة ورموز «الإخوان»، بينهم مرسي نفسه، للمحاكمة بتهمة التخابر مع الحركة في قضية ينظر فيها القضاء المصري الآن، أضيفت إلى قضايا أخرى تتعلق بالإرهاب ومتهم فيها أعضاء في حركة «حسم»، التي تعد جناحاً عسكرياً لجماعة الإخوان، وكذلك تنظيم «داعش» في سيناء، بالتدريب على أيدي عناصر من كتائب القسام، واستخدام الأنفاق ما بين الحدود المصرية مع القطاع في نقل الأسلحة والمتفجرات، ناهيك بالطبع عن التحقيقات المصرية التي أثبتت مشاركة أعضاء من «حماس» في هجمات استهدفت السجون عام 2011، أفضت إلى فرار بعضهم وظهورهم في وسائل الإعلام من قطاع غزة وسط مظاهر احتفالية. 

ببساطة، مصر تستعيد أدوارها التي فقدتها فترة بفعل الفوضى والارتباك والمؤامرات، وهناك «طبخة» سياسية يجرى التحضير لها، لم يعد أمام «حماس» سوى أن تكون طرفاً فيها بعد الخسائر الجمة التي مُنيت بها منذ انقلابها على السلطة عام 2006، وما جرى بعدها من أخطاء وخطايا. وعموماً من المبكر الحكم على مستقبل المصالحة الفلسطينية؛ لكن المهم البناء على ما جرى الأسبوع الماضي في رام الله وغزة، وما سيجرى غداً في القاهرة، وأن تسعى كل الأطراف إلى نزع الألغام من طريق المصالحة وتفادي وضع العراقيل ومنع الأطراف الراغبة في التخريب من أن تمارس تخريبها.

نعم، كان مشهداً غريباً على الشاشات التي كانت تعرض الأسبوع الماضي لقاءات رئيس جهاز الاستخبارات المصري اللواء خالد فوزي وفريق من مساعديه مع قادة «حماس»، بينما شريط الأخبار أسفل الشاشة يشير إلى تأجيل جلسة محاكمة مرسي في قضية التخابر مع «حماس»! 

ليس مهماً الالتفات كثيراً إلى الطريقة التي عالجت بها وسائل إعلام «الإخوان» والقنوات القطرية التي تبث من إسطنبول والدوحة مسألة الدور المصري في تحقيق المصالحة، فالمؤكد أن الأمر لم يكن مرحباً به قطرياً وتركياً وإخوانياً، خصوصاً بعدما ظهر أن الأموال التي أنفقتها الدوحة على مدى سنوات والجهود التي بذلتها أنقرة منذ سقوط نظام «الإخوان» في مصر ونشاط عناصر الجماعة داخل مصر وخارجها على مدى السنوات الماضية كلها ذهبت أدراج الرياح، إذ كان الهدف إسقاط أي حكم يأتي بعد حكم الجماعة، ومنع القاهرة من أن تعود إلى ثقلها وتأثيرها في تحقيق المصالح العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً، فإذا بتلك الجهات تُصدم بسماع أغنية «تسلم الأيادي» عبر مكبرات الصوت في غزة، بينما شوارعها جرى تغطيتها بملصقات وصور للسيسي حلّت محل أخرى كانت مثبتة في الأماكن نفسها، وعليها صور للأمير تميم والرئيس التركي أردوغان مع قادة «حماس»، مصحوبة بعبارات تبشر الفلسطينيين بأن أصحابها يستعدون لتحرير القدس!

بالتالي، كان طبيعياً أن ينعكس هذا الغضب على الطريقة التي تعامل بها الإعلام الإخوانجي مع الحدث الجديد، وأن يلجأ إلى معايرة الحكم في مصر بأنه يتعامل مع «حماس الإرهابية»، من دون أن يلوم الحركة وقادتها الذين عزفوا أغاني الثورة المصرية ضد «الإخوان»، واحتفوا بالزوار المصريين الذين كانوا ينعتونهم بالإرهاب! وأن يتغافل عن ذكر معلومات عن جواسيس جرى القبض عليهم في دول مختلفة، بعدما اتهموا بممارسة التجسس لمصلحة دولهم ضد دول صديقة. وتكفي جولة سريعة على الإنترنت لرصد عشرات من الحالات، حتى بين الولايات المتحدة وإسرائيل!. الحملة على المصالحة لكونها، إذا تحققت وسارت في مسارات طبيعية، ستؤدي إلى ضبط الأمن على الحدود المصرية مع قطاع غزة والتضييق على الإرهابيين، ما سيفقد الإخوان وقطر وتركيا ورقة مهمة ظلوا يلوّحون بها ويستخدمونها لتحريض الشعوب العربية ضد الحكم في مصر، وإقناع عناصر «الإخوان»، ممن صدّقوا يوماً أن مرسي سيعود إلى القصر يوم الأحد، أن الرجل لم يعد بسبب عداء مصر لـ «حماس» والفلسطينيين! نعم تسعى مصر إلى نهاية لمشكلة الأنفاق وعلاج لصداع المعابر وإحكام السيطرة على سيناء، لكنها أيضاً وبدعم من بقية الدول العربية، باستثناء قطر بالطبع، تعود وبحماسة إلى ممارسة ما تعتبره واجباً يحقق الأمن القومي العربي، وهو دور ظلّت تضطلع به على مدى عقود في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وإن كان ذلك الدور يقتضي منها التعامل مع «حماس» التي تغيرت، أو هكذا يبدو حتى الآن.