عماد المديفر

لم يكن مستغرباً أن تكون زيارة الدولة الملكية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- إلى جمهورية روسيا الاتحادية محط اهتمام وأنظار العواصم الدولية من أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب؛ لما لها من بالغ الأثر على ملفات إقليمية ودولية عديدة، وبما يعزز الأمن والسلم الدوليين.. وهو ما انعكس على تلك التغطية النوعية لهذه الزيارة التاريخية المهمة والفريدة عبر مختلف وسائل الإعلام العالمية.

هذه الزيارة الأولى من نوعها لملك سعودي لروسيا الاتحادية، والتي تربطنا بها أقدم العلاقات تاريخياً، تماماً، كما تربطنا بها مصالح أضحت حيوية اليوم لكلا البلدين الصديقين.. الأمر الذي امتد أثره إلى مراسم الاستقبال الباهرة لخادم الحرمين الشريفين في قصر الكرملين، والتي كانت بحد ذاتها رسالة دبلوماسية راقية وفخمة وواضحة من موسكو إلى الرياض بأنها تثمن عالياً مقدم الملك، وتتطلع إلى تحقيق قفزات نوعية في مسار التعاون بين البلدين الصديقين.. وهو ما جاء في الكلمة الترحيبية لفخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد بأن العلاقات السعودية الروسية تشهد تطوراً ملحوظاً، وأن زيارة خادم الحرمين الشريفين ستعطي زخماً قوياً لتطوير العلاقات، وهو ما بادله إياه بكل اهتمام خادم الحرمين الشريفين، الذي عبر عن سعادته بزيارة روسيا، ومعرباً عن تطلعه لأن تحقق الزيارة ما يطمح إليه البلدان من تعزيز العلاقات الثنائية وتطوير التعاون المشترك، لما فيه خير ومصلحة البلدين والشعبين الصديقين وخدمة الأمن والسلم الدوليين. وهو ما تم بالفعل؛ حيث توجت الزيارة بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية والعسكرية والزراعية ذات الأهمية الإستراتيجية لكلا البلدين. بما في ذلك العمل على توطين عدد من الصناعات والتقنيات العسكرية المتطورة، بما يتماشى ورؤية المملكة 2030، ويحقق توفير عشرات الآلاف من الوظائف للشباب السعودي، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية في عدد من المدن الروسية الرئيسة.

يعي كلا البلدين اليوم تلك الأهمية الحيوية القصوى لتعزيز التعاون بينهما في كافة المجالات، الاقتصادية والاستثمارية والصناعية والعسكرية، وفِي مجال الطاقة، وتعميق المشاورات السياسية بما يحقق مصالح الطرفين، ويوطدها.. وهو ما أشار إليه بكل وضوح معالي المبعوث الخاص لفخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي وصف زيارة الملك سلمان إلى روسيا بـ «الناجحة بكل المقاييس»، مشدداً على أن «تعميق التعاون بين روسيا والسعودية وخصوصا في المجال العسكري التقني، يعدّ حيوياً للغاية ومؤشراً على تزايد مستويات الثقة بين البلدين». مضيفاً بأن المصلحة المشتركة للسعودية وروسيا تكمن في توسيع هذا التعاون. وهو ما نتفق معه فيه تماماً، ونشاطره ذات الرأي وذات الاهتمام.

لقد دشنت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- إلى موسكو مرحلة تاريخية جديدة في مسار العلاقات السعودية الروسية، نقلتها إلى التعاون الإستراتيجي بين البلدين الصديقين بكل ما تحمله هذه العبارة من دلالات.. ومن أراد أن ينظر للمشهد عن كثب؛ فلينظر إلى جلسة الشاي الأريحية والخاصة جدا التي أقامها فخامة الرئيس الروسي للملك، وكيف بادر الزعيم الروسي الكريم بسكب كوب من الشاي بنفسه حفاوة بقائد الأمتين العربية والإسلامية.. وتبادل أطراف الحديث الهام بكل أريحية.. كاسراً البروتوكولات الرئاسية.

إنه مشهد تاريخي يحكي الكثير، ويحمل في طياته معاني عميقة.

إلى اللقاء.