سمير عطا الله

كان غابرييل غارسيا ماركيز مأخوذاً بدور السلطة في الحياة. ولم يكن فيدل كاسترو صديقه الوحيد من حكام أميركا اللاتينية، وإنما الأقرب، وعندما خطرت له رواية «خريف البطريرك» أخذ يقرأ وثائق كل ديكتاتور في العالم، لكي يرسم في النهاية الصورة المتكاملة. وإضافة إلى أبحاثه الشخصية، كان يكلِّف فريقاً كاملاً من الباحثين مساعدته. وقد عرف عنه أنه من أبطأ الروائيين وأكثرهم دقّة. وذات مرة كتب 500 صفحة لكي ينتهي إلى قصة قصيرة من 11 صفحة.

في حديث عن «خريف البطريرك» قال: «كان هناك شيء مذهل في شخصية كل ديكتاتور. فقد كان حاكم الباراغواي الدكتور فرانكيا من كبار الفلاسفة، ومع ذلك أغلق البلاد إلا من نافذة يدخل منها البريد، كأنما الدولة بيته الخاص. وأقام أنطونيو لوبيز دو سانتا آنا جنازة وطنية لساقه المقطوعة.

«ولما قُطعت يد لوبي دي أغويري، ظلت عائمة على سطح النهر بضعة أيام، وكان كل من يراها يرتعد خوفاً من أن تمتد إليه بالخنجر المشهور. وفي نيكاراغوا، صنع سوموزا قفصاً من شقين: الأول يضع فيه الحيوانات المفترسة، والآخر يضع فيه خصومه. وفي أي حال، نحن، كتّاب أميركا اللاتينية، علينا أن نتذكر دوماً أن ما من مخيَّلة تستطيع أن تجاري حقائقنا».

لم يكن ماركيز يكتفي بالقراءات، بل كان يمضي وقتاً في دراسة «المواقع» أو «المناخات». لذلك؛ أمضى ثلاث سنوات في مدريد في الأيام الأخيرة للجنرال فرانكو، أحد أشهر الرموز الديكتاتورية في التاريخ المعاصر.

وأمضى وقتاً في روما يدرس مناخ يوليوس قيصر. فقد اكتشف أن الناس تعرف القليل عن قيصر روما. وأن ما عرفته عنه من خلال شكسبير، كان مجموعة متخيلات لا علاقة لها بالحقيقة.

هل هناك من غائب، أو مغيَّب عن لائحة ماركيز الطويلة جداً؟ هناك صديقه فيدل كاسترو، الذي أمضى في السلطة أكثر من أي حاكم لاتيني آخر. ولكن أوصاف «البطريرك في خريفه» تطابق تماماً أوصاف كاسترو في ربيعه «ما من أحد كان يجرؤ على أن يطلب منه العفو عن سجين سياسي، حتى أقرب الأصدقاء إليه». أي حتى ماركيز نفسه.