هشام النجار

التحولات النوعية فى ملفات المنطقة العربية فرضت القيام بمبادرات غير تقليدية وغير مسبوقة، مؤداها وجوب عزل التأثيرات الاقليمية غير العربية التى تحاول نقل مركز القرار والإدارة إلى خارج الاطار العربي، الخلل فى مسار الحرب ضد الإرهاب خلال سنوات ما قبل الحضور العربى بشكله الحالى وما قبل صعود الإدارة الأمريكية الحالية تمثل فى جملة من الظواهر الخطيرة. 

أولها: إعتماد إدارة أوباما -وإلى الآن موسكو- على إيران فى الحرب على الإرهاب وفر للأخيرة فرصة لإضفاء مشروعية على تدخلاتها فى سوريا والعراق واليمن، ووجد الواقع العربى نفسه مخيرًا بين إثنين؛ إما نفوذ ميليشيات الإخوان الإرهابية وداعش والقاعدة المدعومة من قطر وتركيا، أو نفوذ ميليشيات الحشد الشعبى الشيعية وحزب الله المدعومين من إيران. 

الثانية: ارتباط جماعات الإرهاب بالأطماع الإقليمية؛ فإذا تحقق مراد الأتراك عبر توظيف ميليشياتهم السنية التكفيرية فى بلد عربى واحد سهل عليهم التنقل للعبث بأمن باقى الدول، وستنفتح شهيتهم لضم المزيد من البلاد العربية لنفوذهم، وهو ذاته ما حدث لإيران بعد توسع ميليشياتها بالعراق. 

الثالثة: الترابط العضوى والفكرى واللوجستى العملياتى بين جماعات الإرهاب بداية من الإخوان مرورًا بالقاعدة وصولًا لداعش، جعل إنتصار أحد تلك التنظيمات فى ساحة ما بمثابة قوة دافعة وداعمة للتنظيمات الأخري. 

تبين الآن خطورة تلك المسارات على الاستقرار العالمي، ولذا سعت القوى الدولية لتصحيح المعادلات التى أدت لنتائج رهيبة أفزعت العالم بأسره، ولا شك أن القوى الكبرى فى وارد ضبط بوصلة علاقاتها وتحالفاتها، وصولًا لخلق ركائز ناجزة وفاعلة فى الحرب ضد الإرهاب، وكان من شواهد هذا التحول على المستوى الأمريكى أولًا ثم الروسى لاحقًا هو إعادة التقارب مع مصر ودول الخليج والأردن. 

زيارة الملك سلمان التاريخية الأخيرة وغير المسبوقة لروسيا من شأنها تصحيح مسار المواجهة ضد التنظيمات الإرهابية، فى ظل تزايد الإدراك الدولى بأهمية أدوار الدول العربية لاستعادة السلام والأمن العالميين، لأن الروابط لم تعد خافية بين العامل الإرهابى وعوامل أخرى تغذيه خاصة الأطماع التوسعية الإقليمية، وقد توهمت بعض القوى فى بعض المراحل أن إيران أو تركيا أو قطر شركاء لدحر الإرهاب وما كانوا سوى شبكات مغذية له. 

التقارب العربى الروسى لا يرتبط بتصارع قطبى لأن كلًا من الولايات المتحدة وروسيا لم يعودا كما كانا عليه قبل خوض الحروب الأخيرة فى الشرق الأوسط، وللدولتين الكبيرتين مشاكلهما وهواجسهما، كما أن توتر العلاقة وفقدان الثقة بين الطرفين يؤثر بشكل سلبى على مسار الحرب ضد الإرهاب، ويمنح مساحات من المناورة والتمدد للقوى الإقليمية غير العربية وللتنظيمات الإرهابية، ولا يرتبط بقوة إيران أو ضعفها؛ لأن المملكة السعودية وشقيقاتها لم تقف مكتوفة الأيدى عندما استدارت الولايات المتحدة فى عهد أوباما ناحية إيران على حساب المصالح العربية فى اطار تفاهمهما الضمنى على تقاسم المصالح والنفوذ فى العراق، بل دافعت عن مصالحها دون الإعتماد على أحد، كما أن تقارب المملكة السعودية الأخير من روسيا متزامن مع ضعف إيرانى نتيجة التحول الأمريكى ضدها. 

مع توسيع زوايا الرؤية للصراع والتيقن من تبادل المنافع بين الأيديولوجيتين المتطرفتين السنية والشيعية والوقوف على الكيفية التى ثبتت بها إيران أقدامها فى المنطقة؛ بحيث صار فى غير مصلحتها التخلص من جماعات الإرهاب السني، تم التحقق من أسباب تواضع نتائج الحرب على الإرهاب إعتمادًا على جهود قوى مستفيدة من حضوره وتغذيته فى الأساس. 

من السهل الوقوف على رؤية شاملة لهذا الملف تحديدًا بالمقارنة بين أداء الولايات المتحدة ونتائج حربها ضد الإرهاب قبل وبعد مؤتمر الرياض، ثم تاليًا بعد نهوض الدول العربية الأربع فى مواجهة الإرهاب وداعميه، وهو الحدث الذى كان من شأنه تحقيق عوائد أفضل لو كان التعاون الغربى أكثر شفافية وشمولًا. 

روسيا اختارت الإنحياز لإيران والإعتماد عليها بوصفها حليفا فى الحرب ضد الإرهاب الذى غذته الأخيرة ونفخت فيه لتقويض النظام العربى وضرب جوهر المنظومة الإقليمية العربية. 

روسيا التى خرجت من الشرق الأوسط من بوابة مصر مع إلغاء معاهدة التعاون والصداقة المصرية السوفيتية عام 1976م، لن تعود إلا من بوابة العرب، فالإرهاب الذى يوظفه أهم حلفائها يخصم من أى إنجاز خاصة مع قوى تسعى للدفاع عن مصالح جيوإستراتيجية. 

فريق الرئيس ترامب اعتمد مقاربة فى محاربة الإرهاب لا تعتمد على تنسيق مع طهران، وفى نفس الوقت هناك ممانعات داخل إدارته بشأن التقارب من موسكو، التى ترى أن التخلى عن إيران يضعف موقفها فى ملفات المنطقة. 

عداء إدارة ترامب لإيران يستهدف النفوذ الروسى ورغبة إسرائيل فى نزع أنياب طهران، وسيناريوهات كتلك تخفض من مستوى الإهتمام بالتقويض الشامل للإرهاب، ومعها سيستمر توجيهه إلى قلب الصين وروسيا وأوربا وأمريكا، ولن يظل فقط داخل حدود الدول العربية. 

إذن على طول خارطة طريق تقريب العلاقة الأمريكية الروسية التى ينشدها ترامب ويرغب بها بوتين ثمة مسار لا يمكن الإستغناء عنه وهو الانفتاح على القوى العربية بوزنها الإستراتيجى وثقلها السياسي. 

هذا وحده الضامن لحصار الإرهاب بعملية سياسية جامعة تحتاج لشرعية عربية تنجز تسوياتها النهائية، وهو كفيل بخلق إسناد إقليمى شرعى للقوى الدولية قادر على توحيد الإصطفاف ضد عدو العالم الأول والحقيقي.