محمد خليفة

أبلغت كوريا الشمالية يوم الخميس الماضي الأمم المتحدة أنها لن تتفاوض أبداً لتفكيك ترسانتها النووية. وقال السفير الكوري كيم إن ريونغ، إن الوضع في شبه الجزيرة الكورية وصل نقطة الخطر وإن حرباً نووية قد تندلع في أية لحظة. وهكذا، تتمادى كوريا الشمالية في تحديها للولايات المتحدة، وحليفتيها في الشرق الأقصى (كوريا الجنوبية واليابان)؛ بعد أن نجحت في الشهر الماضي في تفجير قنبلة هيدروجينية، وكانت قد اختبرت أول قنبلة هيدروجينية لها في السادس من يناير 2016، وقد زعمت وسائل الإعلام الغربية، آنذاك، أن التفجير كان لقنبلة انشطارية ولم يكن لقنبلة اندماجية، وذلك لإدراك الخبراء في الغرب مدى صعوبة إنتاج مثل هذه القنبلة، لكن التفجير الجديد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه ناجم عن قنبلة اندماجية بسبب قوته الهائلة التي أحدثت زلزالاً بقوة 6.3 على مقياس ريختر، ومثل هذا الزلزال كفيل بتدمير مدينة كاملة وتحويلها إلى ركام. 
وتعمل القنبلة الهيدروجينية على مبدأ اندماج ذرات نظائر الهيدروجين «التريتيوم» و«الديوتيريوم»؛ حيث ينتج من اتحاد هذين النظيرين، ذرة هيليوم مع نيوترون إضافي، ويكون الهيليوم الناتج من هذه العملية أثقل كتلة من الهيليوم الطبيعي، وقد استقى العلماء فكرة القنبلة الهيدروجينية من الشمس التي يقال إنها تضئ وتبعث بطاقتها الهائلة إلى الأرض وعموم الكون، من خلال اندماج الهيدروجين فيها. لكن عملية اندماج أنوية ذرات الهيدروجين أو نظائره تتطلب وجود حرارة عالية تصل لملايين الدرجات المئوية، كتلك الموجودة في مركز الشمس، لذلك قام العلماء بتوفير هذه الحرارة عن طريق إحداث انشطار نووي متسلسل باستخدام اليورانيوم 235، أو البلوتينيوم 239، من خلال قذف نظير الديوتيريوم على كتلة من اليورانيوم، لكن استحال على العلماء، تقريباً، حصر هذه الحرارة العظيمة، ومن بين الحلول التي عملوا عليها للتغلب على هذه المشكلة هي استخدام عملية الحصر المغناطيسي، لفصل البلازما عالية الحرارة عن الحاوية لمدة كافية لإحداث الاندماج النووي.

ولذلك فالقنبلة الهيدروجينية هي، بطبيعة الحالة، قنبلتان، الأولى تعمل بالانشطار النووي؛ حيث يستخدم فيها على الأغلب، البلوتينيوم، والثانية تعمل بالاندماج النووي، وتكون القنبلة الانشطارية في المقدمة، ليؤدي انفجارها إلى توليد طاقة حرارية تبلغ أكثر من أربعة ملايين درجة، من أجل الإسراع في دفع نظائر الهيدروجين إلى الاندماج، وتوليد طاقة حرارية مضاعفة. 
وقد صُمِمت قنبلة كوريا الشمالية على هذا الأساس، كما رُوعي في تصميمها كذلك إمكانية وضعها على صاروخ عابر، وقد قال وزير دفاع كوريا الجنوبية، سونغ يونغ مو، أمام البرلمان في 4 سبتمبر: «إن كوريا الشمالية نجحت في تصغير رأس نووي لحملها على صاروخ باليستي»، وهذا اعتراف واضح من أعلى مسؤول في كوريا الجنوبية عن التسليح، بأن هذه الدولة، التي تمثل صداعاً في رأس الولايات المتحدة وحلفائها، أصبحت تملك كل أدوات التدمير والقتل والهلاك. 

والحقيقة أن اختبار كوريا لهذه القنبلة جاء في أعقاب إرسالها صاروخاً عابراً للقارات عبر المجال الجوي لجزيرة هوكايدو اليابانية، وسقط في المحيط الهادئ بعد أن قطع 2700 كم، وبعد أن بث الفزع والرعب في قلوب الملايين من سكان هذه الجزيرة، وكان أغرب ما في المشهد أن الدرع الصاروخية الأمريكية الموجود في اليابان لم يعترض هذا الصاروخ، وقد قيل، إن السبب في عدم اعتراضه هو أنه لم يكن يستهدف الأرض اليابانية، لكن هذا التعليل غير منطقي، وهو تعليل ينم عن العجز، إذ كان من المفترض بأن ينطلق صاروخ لاعتراض وتدمير هذا الصاروخ قبل أن يخترق الأجواء اليابانية ؛حماية للحلفاء، وتوجيه رسالة لكوريا ومن خلفها أن هذه الصواريخ لا تشكل أدنى خطورة، لا على الولايات المتحدة ولا حلفائها. لكن يبدو أن الخبراء العسكريين الأمريكيين يعلمون استحالة اعتراض الصواريخ، وبالتالي فهم لم يطلقوا صاروخاً اعتراضاً لعلمهم المسبق بأنه سيفشل في مهمته، وهذا سيشجع كوريا على إرسال المزيد من الصواريخ في كل الاتجاهات. لكن مهما كان التعليل، فإن الرسالة الكورية قد وصلت لمن يعنيهم الأمر، وهذه الرسالة أصبحت، بعد التجربة الهيدروجينية، أكثر خطورة. ورغم أن الولايات المتحدة تجد نفسها مضطرة لمواجهة الصلف الكوري، فقد تبين أنها ليست على قدر المسؤولية التي تحملها على عاتقها في الدفاع عن الأمن والاستقرار في العالم، إلا أنها لا تجرؤ على توجيه ضربة عسكرية ضد كوريا، خوفاً من اندفاع هذه الأخيرة بإطلاق صاروخ عابر للقارات محمل بقنبلة هيدروجينية لتدمير مدن أمريكية، كما أن الصين لن تترك كوريا بمفردها، وعند ذلك ستتحول الحرب إلى نزاع عالمي واسع.
وإزاء هذا الواقع الذي تعادلت فيه قوة الولايات المتحدة مع قوة خصمها، ليس هناك من سبيل لإنهاء ذلك الصراع، الذي يهدد عشرات الملايين من البشر في الولايات المتحدة وكوريا واليابان والصين، سوى طريق الدبلوماسية والحوار، فلغة التهديد والوعيد التي تتبعها الإدارة الأمريكية، لن تجدي نفعاً.