يعقوب الشراح 

أثبتت الدراسات عن الذين يحملون الفكر المتطرف، وينخرطون في التفجيرات والقتال، ويؤثرون في غيرهم من زملاء وأقارب، انهم من فئة الشباب التي لا تتعدى أعمارها الثلاثين عاماً. ولقد دلت الإحصائيات لدى الجهات الأمنية في دول كثيرة أن أقل سن مشارك في القتال مع الفصائل الإسلامية المتحاربة لا يتعدى العشر سنوات.لا شك هناك دوافع مختلفة وراء الأعمال الإرهابية، لكن ذلك لا يعنى تبرير العملية الإرهابية تحت أي مشروع ديني وأخلاقي أو قانوني، كما لا يمكن التبرير لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية.

تشير الدراسات إلى ان أعلى معدل للإرهاب يكون بين العزاب، وتظهر أكثر في الأسر التي تتسم بالتفكك، كالانفصال والطلاق والاغتراب عن الوطن. كذلك غياب دور الأب وانشغاله بحياته ومشكلاته من دون مراقبة ومتابعة لأبنائه أو التواصل والتفاعل مع مشكلاتهم أو الالتفات لمساعدتهم. ولقد تبين أن الأصدقاء من العوامل المؤثرة على الفرد لارتكاب العنف والتطرف.

ولقد وجد أن المرحلة العمرية تلعب دوراً حاسماً في تشكل الفكر والشخصية وبناء علاقات وتواصل اجتماعى، إيجابي أو سلبي، تتأثر بما يحيط بها من أوضاع متباينة... فالمرحلة العمرية (18-25) هي مرحلة الاستقرار وتحديد الاتجاهات والأنماط الفكرية، وتعد من أخطر المراحل العمرية المتسمة بالإيجابيات والسلبيات، خصوصا تأثيراتها السلبية المتمثلة في العنف والجرائم والغلو في الفكر والتطرف. فلقد وجد أن نسبة الجرائم في هذه المرحلة العمرية هي الأعلى، وهي المرحلة التي تحتاج إلى مراقبة وتوجيه من المؤسسات المختلفة، وخاصة من قطاعات التعليم والأسرة والمسجد والإعلام.

ومع أن الحاجة ماسة لمعالجة الإرهاب والتطرف بالبحث في جذور الآفة بدل اقتصار المعالجة على جانب دون آخر، ألا أن هناك عوامل مؤثرة في انتشار الإرهاب وتمدده ومنها ضعف دور أولياء الأمور تجاه تربية أبنائهم، وتعثر مراقبتهم وتقديم النصح لهم، وعدم حمايتهم من التأثر بأفكار غيرهم المتطرفة التي وجد أن لها مفعول السحر في تلقين الشباب الفكر المتطرف، والانخراط في جرائم إرهابية مميتة في داخل الدولة أو خارجها، خصوصاً استخدام الدين في التطرف والازدراء والكراهية والتعصب.

إن جريمة الإرهاب لا تتوقف على التفجيرات والقتل، وإنما تتجاوز ذلك إلى كل ما له علاقة بالفكر والجريمة مثل انتهاج «المنهج التكفيري»، وطاعة الخروج عن ولي الأمر، وتمويل الإرهاب، والاتجار في الأسلحة، وتسريب المعلومات الضارة بالدولة، والتحريض على الإرهاب، وتزوير الوثائق الرسمية، وتضليل رجال الأمن، وإيواء الإرهابيين وغيرها.

لهذا فإن تنوع مجالات الانخراط في الإرهاب يجعل سيطرة أولياء الأمور على أبنائهم المنحرفين غاية في التعقيد، لكن ذلك لا يعفيهم عن المسؤولية تجاه أبنائهم، خاصة إذا كانوا على علم بانحراف سلوكيات أبنائهم، لكنهم لا يبذلون الجهد لتصويب الانحراف، وقد يتسترون على مشكلات أبنائهم، فلا يتصلون بالأجهزة الأمنية أو الجهات التي تساعد على معالجة الأزمة قبل أن تستفحل، فتكون أضرارها فادحة على الجميع.