حسين شبكشي 

 بعد أكثر من 54 عاماً من الغموض والسرية والتشكيك حول قضية وملابسات جريمة اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي التي نشرت حولها المئات من القصص والروايات والأساطير ونظريات المؤامرة، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوامره بإزالة السرية والسماح بتداول 2800 وثيقة سرية عن هذه الجريمة المروعة، علماً بأن الأمر بالسرية والتحفظ لا يزال قائماً على آلاف الوثائق في القضية نفسها لأسباب تتعلق بالأمن الوطني، وذلك بحسب إفادة «سي آي إيه» و«إف بي آي»، ما يعني عملياً أن ماكينة نظرية المؤامرة فيما يخص هذه القضية ستظل تعلن وتنتج سلسلة لا تنتهي من التفاسير لهذه الحادثة.

الغريب أن نظرية المؤامرة باتت اليوم أكثر شراسة وأشد حضوراً خصوصاً مع «توحش» التقنية وزيادة انتشارها بشكل مذهل بين الناس في كل أنحاء العالم. وأخيراً تابعت بتعجب وشغف شديدين بعض عناوين الأخبار والتفسير «المؤامراتي» لها، فهناك حالات المناطق الراغبة في الاستقلال مثل اسكوتلندا وإقليم كردستان في العراق وكاتالونيا بإسبانيا، التي بطبيعة الحال ستكون ذات اقتصاد هش وضعيف بعد انفصالها. وبما أن «انتشار» الدولار الأميركي عالمياً والإبقاء عليه كأقوى عملة متداولة يشكل أهم أسلحة الإدارة الأميركية، لأنه يساعد في تمويل العجز المالي والتجاري لها، وبالتالي كلما زاد عدد العملاء لهذه العملة (بزيادة الدول الجديدة) التي ستلجأ للعملة الأشهر حول العالم، استمر الطلب عليها وضمنت أميركا قوة دولارها في التداول. ويؤكد أصحاب «هذه» النظرية أن السبب «الحقيقي» للتخلص من صدام حسين ومعمر القذافي هما تجرؤهما على استخدام عملة أخرى غير الدولار لحسابات بيع إنتاج النفط في العراق وليبيا.
إضافة إلى ذلك، هناك مزيد من التفسيرات الغريبة لنظريات المؤامرة، لعل من أغربها ما يحصل من أعاصير غير مسبوقة في قوتها وعددها في فترة زمنية قياسية. وتفسير نظرية المؤامرة في هذه المسألة أنها «مسيسة» من قِبل أصحاب برنامج وقضية الاحتباس الحراري ومناصري البيئة، وأن ما يحدث هو تسخين استثنائي بالليزر لمياه المحيط فترتفع درجة الحرارة في جيوب محددة وتتحول إلى أعاصير مدمرة، وذلك لإحراج الرئيس دونالد ترمب الذي تخلى وانسحب من اتفاقية المناخ في باريس وهدد بالتالي البيئة مجدداً.
وليست هذه النظرية هي الأغرب، فالزلازل المتكررة في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي تلقى تفاسير مثيرة هي الأخرى، وتقول عنها إنها رد من أجهزة استخباراتية يمينية في الإدارة الأميركية للرد والتهديد على مواقف المكسيك أخيراً من سياسات قوانين الهجرة واتفاقية «نافتا» التجارية.
وهناك أيضاً تفاسير مؤامراتية للفشل «المتتالي» لآخر خمسة إطلاقات للصواريخ الباليستية لنظام كوريا الشمالية دون أن تعرف كوريا الشمالية السبب الحقيقي لهذا الفشل، إلا أن أصحاب النظرية المؤامراتية يفسرون ذلك بأن الولايات المتحدة تستخدم تقنية عسكرية متطورة جداً لتعطيل الصواريخ من دون «تدخل»، وهي تقنية تم تطويرها من «حرب الكواكب» التي أطلقت في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان وتسببت بإسقاط الاتحاد السوفياتي الذي أفلس اقتصادياً، وبالتالي تفتت سياسياً لعدم قدرته على ملاحقة مشروع ريغان الخيالي.
هناك «ملفات» لا تزال حية وعامرة بتفاسير ونقاشات تتعلق بنظريات المؤامرة، وكل فريق يفسر بما يراه مناسباً من وجهة نظره، مع التأكيد على أن هناك كثيراً من التفاصيل والقرارات التي يتم أخذها واعتمادها هي في الواقع أكبر مزكٍ لهذه النظرية وأكبر داعم لها.
نظرية المؤامرة بخير ومستمرة، والإبقاء على سرية وثائق كيندي بعد 54 عاماً يؤكد ذلك.