ياسر بن علي المعارك

مهما تلوثت الحياة بأغلال الوصاية، تبقى العودة للفطرة والحياة السليمة النظيفة هي الأصل، حين كان مجتمعنا قبل عام 1979 يعيش بنواياه الصافية وبطبيعته الطيبة، كان يمارس حياة تمثل قناعات المجتمع بشرائعه وعاداته وتقاليده الموروثة.. فالمرأة تبيع في الأسواق بجانب الرجال في ممارسة عادية لا تعرف التضييق والريبة، والإخوة وزوجاتهم يضمهم المجلس الواحد يتبادلون الأحاديث ويتناولون الطعام على سفرة واحدة بلا عدسات تحصي الأنفاس وتسعى لتلويث الضمائر، والأندية الرياضية تعرض الأفلام عبر شاشات السينما وتنظم الحفلات الغنائية فيؤمها الشباب ويزجون أوقاتاً من الترويح الذي لا تستقيم دونه الحياة، والتلفزيون السعودي يطرب سهراً مع وصلات أم كلثوم.

هكذا كانت الحياة تسير على سجيتها وبساطتها، حتى جاءت حركة الصحوة لتلويث المشهد وتسميمه، فدسّت أنفها في كل كبيرة وصغيرة، وتسلطت على ممارسات الأفراد وحرياتهم، وأساءت للدين الوسطي الصحيح بتشدد مقيت، واستبدلت سماحته ووسطيته لتجعل النوايا السيئة هي الأصل، وتعسّفت في النظر إلى المفاهيم الفقهية الشرعية لتجعل التحريم لافتة مرفوعة في كل شأن مستغلة باب سد الذرائع أسوأ استغلال، ومتجاهلة القاعدة الشرعية التي تجعل الأصل هو الإباحة.

لقد أفرزت تلك الفترة التي امتدت عقودًا من الظلمة المجتمعية الفتاوى المتشددة بتحريم السفر بغرض السياحة، وبتحريم التصوير ومشاهدة التلفزيون ولبس العقال ولعب أو مشاهدة كرة القدم والقائمة تطول في هوس غير مبرر وغير مؤصل سواء دينياً أو اجتماعياً.

ومن المعروف أن الحركة الصحوية اكتسبت حضورها وقوتها عبر استغلال حدثين هما الثورة الخمينية التي صعّدت الصوت الشيعي المتشدد، والغزو السوفيتي لأفغانستان، فانتشر روادها عبر آلاف المساجد والجوامع التي احتضنت محاضراتهم ودروسهم، وقاموا بغزو أسواق الكاسيت مستغلين العاطفة الدينية لدى الشباب، ونشطت في خضم تلك الأجواء خطابات التكفير التي لم تستثن العلماء الكبار والشعراء والإعلاميين والمثقفين والوزراء الذين التزموا بالخط التنويري والوسطي والحداثي.

تلك صفحة بدأنا نطويها بحول الله وقوته، واليوم نعيش مرحلة يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان واضعاً الأمور في نصابها الصحيح لتعود الحياة كما كانت متصالحة مع المجتمع وملتزمة بالدين الوسطي السمح في كل شؤونها.

بتنا على موعد مع دخول التاريخ بتحقيق رؤية إعمار الفكر وإعمار الوطن، وعندما تصح العزائم.. تلين الصخور مهما كانت قساوتها. لتعانق طموحاتنا عنان السماء..