أحمد يوسف أحمد

تتعرض مصر منذ عقود عدة تمتد جذورها المعاصرة إلى الثلث الثانى من القرن العشرين لصنوف شتى من الإرهاب، كان أهمها وأخطرها ولايزال ذلك الذى ينسب نفسه إلى الإسلام ويدعى العمل على نُصرته، ولا شك أن الموجات الإرهابية قد اشتدت على نحو لافت فى العقد الحالى لأسباب تخرج مناقشتها عن موضوع هذه المقالة، ولم تكن مصر وحدها فى ساحة الخطر الإرهابى بطبيعة الحال لكن وزنها ودورها الإقليميين جعلاها هدفاً غالياً للموجات الإرهابية فلو سيطر الإرهاب عليها كما حدث فى سنة كئيبة قويت شوكة الإرهاب فى المنطقة ولو كسرتها كان هذا الانكسار بداية حقيقية لدحره لا فى مصر وحدها وإنما فى المنطقة بأسرها، ولا يختلف اثنان على الأهمية الفائقة لدور الإعلام فى كسب الحرب على الإرهاب، فأصله عملية غسل مخ فكرى ومعلوماتى تجعل ضحيتها فريسة سهلة لتوظيف خبيث للظروف السياسية والاجتماعية بما يحيل هذه الضحية إلى إرهابى رافض لمجتمعه كاره له مستعد للمشاركة فى عملية تدمير منهجى لمقوماته المادية والمعنوية، وقد يصل به الحال إلى أن يكون عميلاً يضع يده فى يد أعداء وطنه، فهل هناك ما هو أشد أثراً فى الحرب على الإرهاب من الإعلام وبالذات المرئى الذى يستطيع أن يكون وسيطاً لنقل خلاصة الفكر المستنير الذى ينتجه مفكرو المجتمع ومثقفوه وأكاديميوه، وبطبيعة الحال فإن هذا الفكر لا يصل إلى معظم المواطنين لأسباب عديدة منها نسبة الأمية فى المجتمع والمستوى الرفيع فى كثير من الأحيان للمساهمات الفكرية ذات الصلة بما لا يتناسب مع المستوى المتواضع للتعليم والوعى لدى فئة ليست بالقليلة وضعف القدرة الشرائية لمن قد يرغب فى اقتناء الكتب وهكذا، أما الإعلام المرئى والمسموع فيستطيع أن يقدم لجمهوره هذه المساهمات الفكرية الرفيعة بأسلوب يفهمه الجميع بما ينشئهم على الفهم الصحيح للدين وسماحته على النحو الذى يقوى الوشائج داخل المجتمع، ومن ناحية ثانية فإن لدى الإعلام مهمة كبرى فى تقديم المعلومات الكفيلة بفضح الإرهاب وجرائمه وتفنيد الحجج المغلوطة التى يقدمها إعلام الإرهاب وأنصاره والمتعاطفون معه الذين يشكلون طابوراً خامساً، ويزيد من مسئولية الإعلام الطفرات الهائلة فى وسائل الاتصال والتى مكنت الجماعات والأفراد من أن يكون لهم إعلامهم الخاص عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى فإن تقاعس الإعلام الرسمى سارع نظيره غير الرسمى إلى ملء الفراغ على الفور، فما الذى فعله الإعلام المصرى للاضطلاع بهذه المسئولية الجسيمة؟ الفكرة الرئيسية فى إجابة المقالة عن هذا السؤال هى اتهام موجه للإعلام الرسمى ليس بالتقصير فى المواجهة فى حد ذاته وإنما باتباع نهج خاطئ ولو جزئياً فى هذا الصدد يزيد من إمكانات الإرهاب فى اختراق الرأى العام، ولكى أكون محدداً فإننى أقصد بهذا الاتهام المعالجة الإعلامية لقضية الإرهاب فى النشرات الإخبارية للتليفزيون الرسمى المصرى وقناته الأولى على نحو أكثر تحديداً، فقد لاحظت عموماً وليس فقط بعد حادث الواحات باعتبارى من المواظبين المنتظمين على مشاهدة الفقرة الإخبارية الممتدة فى التاسعة مساءً أن هذه النشرات بطيئة زمنياً من حيث ملاحقة الأحداث ولا تغطى بالضرورة الأبعاد المطلوب تغطيتها كافة للعمليات الإرهابية، بل إن الأمر قد يصل إلى حد التجاهل ولو المؤقت للحدث أصلاً، ويحدث هذا بالذات عندما يبدو أن ثمة مبادرة للإرهابيين بعمل ضخم ينتج عنه سقوط عدد كبير من الشهداء وفى أحيان أخرى تتركنا النشرات الرسمية دون صورة واضحة لكيفية انتهاء المعركة مع الإرهابيين أو حتى دون إفادة بأن المواجهة مازالت مستمرة، وفى أحيان ثالثة يُذكر خبر متعلق بعملية إرهابية فى شريط الأخبار الذى لا يتابعه المستغرقون فى متابعة النشرة المصورة أو الأميون أو ضعاف البصر، ويؤدى هذا النهج بطبيعة الحال إلى توفير مساحة زمنية يستطيع إعلام الإرهاب وأنصاره استغلالها بنشر أخبار مغلوطة وشائعات مغرضة عن العمليات الإرهابية التى لا تحظى بتغطية فورية أو كافية من الإعلام الرسمي، ويتم بعد ذلك«غسل» هذه المعلومات بتبنى بعض المصادر المغرضة لها، بل إن فضائيات يُفترض أن لها صدقيتها المهنية تقع فى هذا المحظور كما حدث أخيرا بالنسبة للفضائية البريطانية التى نقلت أرقام شهداء عملية الواحات فى مجافاة صارخة للمعايير المهنية التى يُفترض أنها تلتزم بها (كتب الأستاذ أحمد الدرينى مقالة ممتازة فى هذا الخصوص فى «المصرى اليوم» بتاريخ 2017/10/29)، ويؤدى هذا إلى زيادة فاعلية إعلام الإرهاب بسبب البلبلة أو التشويش التى يجد المواطن فيها نفسه بسبب قصور إعلامه الرسمى عن الوفاء بوظيفته الإعلامية، وقد يسعى بنفسه إلى مصادر غير وطنية يُحتمل أن تكون معادية أو شامتة أو إلى وسائل التواصل الاجتماعى التى تمتلئ إما بأكاذيب أنصار الإرهاب والمتعاطفين معهم وشائعاتهم وإما بفتاوى الذين لا يعلمون ولا يطيقون أن يجشموا أنفسهم مشقة تدقيق ما ينشرون، وعندما تأتى الحقيقة ناقصة أو مشوشة أو مرتبكة ومتأخرة قد لا تستطيع أن تفرض نفسها على المشاهد الذى يكون قد تعرض لعملية تشويه متعمدة وممنهجة وممتدة. 

والسؤال المهم هنا: هل يخجل الإعلام المصرى من حقيقة أن مصر تواجه حرباً شرسة ضد الإرهاب؟ أو أنها رأس حربة فى هذه المواجهة؟ أو أن أبناءها يقدمون على التضحية بأرواحهم والاستشهاد فى سبيل الوطن بنفس راضية وجسارة لا مثيل لها؟ لن يهتز شعب مصر بتاريخه العظيم من اشتداد هجمة الإرهاب خاصة وقد طالت أعتى الدول، وهو يحزن ويأسى لفقد أعز أبنائه وتيتم أطفالهم لكنه يعلم أن معركة الحياة تستحق هذه التضحيات العظيمة، فهل يشاركنا إعلامنا الرسمى هذه المعركة المصيرية أم يتركنا فريسة لإعلام عميل ومشبوه يتمنى هزيمة مستحيلة لمصر المحروسة؟