عمار علي حسن

تركزت ثروة تنظيم «الإخوان» الإرهابي التي جمعها من تبرعات أعضائه العاملين و«هِبات» بعض الموسرين وأرباح مشروعاتهم في مناطق مختلفة من العالم في أيدي قلة منهم، ووظفها في شراء الولاءات وتوجيه دفة التنظيم.

وكان مؤسس التنظيم حسن البنا يقود مجموعة من صغار الموظفين والحرفيين، الذين كوّنوا النواة الأولى لتنظيم «الإخوان» الإرهابي، ولذا كان ملتفتاً إلى رقة حالهم، وراغباً في تحسين أحوالهم. ولكن بمرور الزمن راح التنظيم يجذب قطاعات من «البرجوازية الصغيرة» ويتمسك بشروط صارمة لمن ينضم إليه، منها ضرورة أن يكون له عمل يتكسب منه. ثم انفتح باب واسع لتراكم رأسمالي، من التبرعات و«الهبات» والاستثمارات، وبات التنظيم مصدراً لخلق طبقة من رجال الأعمال، منحهم فرصة لتدوير أمواله في تكتم بعيداً عن ملاحقة ومطاردة الأنظمة الحاكمة التي كانت تستهدف «الإخوان».

وصار بعض «الإخوان» يمتلكون «إمبراطوريات مالية صغيرة» لا يقل رأسمال الواحدة منها عن خمسمائة مليون جنيه، إلى جانب إمبراطوريات أكبر في الخارج يبلغ رأسمالها مليارات الدولارات. وينكر «الإخوان» هذا بالطبع، ويسرّبون أحياناً أرقاماً متواضعة عن حجم ثروات بعض رجال أعمالهم. وأغلب هذه القدرات الرأسمالية «الإخوانية» غير تنموية، لأنها تقوم بالأساس على التجارة إلى جانب التوزيع والخدمات، وليس بالقطع إلى استصلاح الأرض وفلاحتها، وتشييد المصانع، وتعزيز اقتصادات المعرفة.

وحول رجال الأعمال الكبار في تنظيم «الإخوان» هناك طبقة تالية من التجار الصغار، الذين أفادهم الممسكون بأموال «الجماعة» من خلال إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة لهم، على هيئة متاجر ومطاعم وورش، في سبيل تدوير رأس المال، الذي يفقد قيمته أو قوته الشرائية بمرور الوقت نظراً لارتفاع معدل التضخم، وكذلك جلب المنفعة لقطاعات أعرض من «الجماعة»، التي تحولت بمرور الوقت إلى كيان له قوام خاص، جنباً إلى جنب مع امتلاك الأموال التي تخدم الأدوات والآليات التي ينتهجها التنظيم في سعيه الدائم والدائب نحو التمكن من المجتمع والدولة.

وتُعد أموال الإخوان جزءاً من أدوات ربط الفرد بالتنظيم، ومساعدة «الأسرة الإخوانية» في المواجهة المستمرة. فمنها كان يتم دفع النفقات الشهرية للأسر التي تم اعتقال عائلها، ومنها يساعد التنظيم بعض المنتمين إليه في رحلات تعليمهم أو مواجهة ظروف صحية صعبة، ومنها أيضاً يقوم بتقديم «الصدقات السياسية»، من خلال الاهتمام بمساعدة الأيتام والفقراء عبر الصدقات الدائمة أو الموسمية المتقطعة، وهي قوة اجتماعية طالما تمكن «الإخوان» من حشدها للتصويت لصالحهم في الانتخابات.

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل إن «الإخوان» استغلوا شبكة النفع العام التي قامت بها بعض الجمعيات السلفية الدعوية في التمدد داخل المجتمع عبر تقديم الخدمات، ولاسيما في ظل انحسار قدرة الدولة تدريجياً على الفعل. وما يستخدمه «الإخوان» من أموال في هذه العملية هو النزر اليسير مما يملكون، لأن أغلب أموالهم في الخارج، وهي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وفق حسابات تقريبية، ما يعني أن الجزء الأكبر من طاقة التنظيم الاقتصادية منصرفة إلى «التجارة» وفق أحدث وأقسى الأساليب التي تنتهجها النظم الرأسمالية. وربما خلق هذا الوضع تصوراً راسخاً لدى «الإخوان» لا يستطيعون مفارقته. وهو تعزيز «الملكية الخاصة» والاقتصار على تقديم الصدقات للفقراء، وليس الإيمان بأن لهم حقوقاً أصيلة وأساسية في المال العام، يجب أن توفر لهم حد الكفاية.

وحاول التنظيم أن يعالج الآثار النفسية لهذه المعضلة داخل صفوفه، دون أن يكون معنياً بالبحث عن علاج أو حل للمجتمع العريض، الذي يقع خارج «الإخوان»، وهو الأكبر عدداً وعدة في حقيقة الأمر. فالتنظيم يحاول أن يفصل بين «الشُّعَب» التي يقيمها في الأحياء الفقيرة وبين نظيرتها المقامة في الأحياء الثرية، حتى لا يخلق «حقداً طبقياً» بين أعضائه، من الممكن أن يعجل بتفجر صراع اجتماعي داخلي، سيؤثر من دون شك على استقراره، وقدرته على التماسك، أو يظهر لدى «الإخواني» رقيق الحال مدى الهوة بين القول والفعل داخل التنظيم العجوز.

وهذه الأوضاع الطبقية المختلة، تلقى إنكاراً على المستوى النظري من تنظيم يزعم دوماً أن مثل هذه المسألة لا تعنيه، وأن العلاقات بين أفراده قائمة على «الأخوة»، ولكن الواقع يدحض هذا الكلام البرّاق، لتجد شخصيات كبرى في التنظيم تشكو من التمييز الحاصل، وبذا تبقى الحقيقة أن تجربة «الإخوان» الاقتصادية لا تعدو أن تكون مجرد محاولة تجميل للرأسمالية الغربية بمساحيق فقهية، توصف زوراً وبهتاناً بأنها الرؤية الاقتصادية للإسلام.