محمد خلفان الصوافي 

يستحق خبر افتتاح متحف «اللوفر أبوظبي»، يوم السبت المقبل، الضجة الإعلامية المصاحبة له، لأن حدثاً من هذا النوع مهم جداً في مسألة الحفاظ على التراث الإنساني، خاصة في منطقة جغرافية انتشرت فيها أفكار التضييق على الآخرين المختلفين دينياً وعرقياً ومذهبياً، كما حدث لتماثيل باميان في أفغانستان وفي تدمر السورية وفي الموصل العراق.. فأن يوجد متحف مثل اللوفر في منطقة الشرق الأوسط فذلك لا بد أن يلفت نظر المراقبين وأن يهتم به الإعلام العالمي.

وبشكل عام، هناك مهمة كبيرة تقوم بها دولة الإمارات، وتحديداً أبوظبي، لها علاقة بالمشهد الثقافي الذي نراه، تتلخص هذه المهمة في بعدين رئيسيين؛ البعد الأول: اقتصادي له علاقة بالتخطيط للمستقبل البعيد، مستفيدةً من عوائد النفط، وذلك من أجل خلق فرص ومساحات أكبر تتحرك فيها الدولة مستقبلاً بالقوة والحضور المناسبين على المستوى العالمي، كما كانت خلال عهد النفط. وقد اختارت أبوظبي التركيز على الجانب الثقافي أكثر من غيره، ربما لأن قراءة المسؤولين للمستقبل ترى أن السياحة الثقافية قد تكون واحدة من أدوات الجذب القوية.

البعد الثاني لمهمة أبوظبي: محاولة إعادة صناعة الصورة الإيجابية لرأي الدين الإسلامي في الحضارات الإنسانية، لذلك قد ينظر البعض إلى الثقافة باعتبارها إحدى أدوات القوة الناعمة التي تصوغها دولة الإمارات لتعزيز موقفها وسمعتها دولياً، لكن في الجانب الآخر من الملاحظ أن إمارة أبوظبي اختطت لنفسها دوراً كان ينبغي أن تطلع به الدول العربية والإسلامية كلها، ألا وهو تصحيح صورة الإسلام عقب الأفكار التي ظل يطرحها المتعصبون طوال السنوات الماضية حول «الآخر» (غير المسلم)، والتي خربوا من خلالها علاقات التعايش الإنساني وطمسوا الهويات الدينية والعرقية. ولهذا فإن افتتاح «جوهرة المتاحف» العالمية (نسخة أبوظبي) بحضور شخصيات عالمية، سياسية ودينية وثقافية، هو تأكيد على أن الذين يخربون الإرث الإنساني لا يتحدثون باسم الدين ولا باسم المجتمعات الإنسانية المتحضرة، ومنها الإمارات.

ومن الناحية الأخرى، وهي الجزئية التي لا تقل أهمية عن البعدين السابقين، فإن الاهتمام بالثقافة عموماً أصبح من معالم الهوية الإماراتية، وقد بدأت العاصمة أبوظبي على وجه التحديد تعمل في هذا الجانب بقوة، بل استطاعت استقطاب أنظار المراقبين في كل عمل تقوم به، سواء في تنظيم المؤتمرات، أو إقامة المعارض بمختلف أشكالها.

والجميل في الأمر أن دولة الإمارات تقوم بكل مشاريعها ليس فقط بهدف اقتصادي ومالي، إذ لا تركز على الاستثمار الخارجي فقط، ولكن أيضاً تقيم كل مشاريعها داخل الدولة، وهذا البعد له مميزات عديدة، حيث إنه يخلق فرص عمل للمواطنين الإماراتيين استعداداً للمستقبل، وربما لبعد استراتيجي له علاقة بطبيعة المنطقة وما ينتشر فيها من أفكار متطرفة بدعم من دول معينة لها أهدافها غير النبيلة أو نتيجة لانتشار تنظيمات وجماعات متطرفة خاصة. والإمارات معروف عنها أنها واحدة من الدول التي تكافح الإرهاب علناً، وبالإمكان اعتبار هذه المشاريع الثقافية أحد أساليب محاربة الأفكار المتطرفة.

لقد بات المهتمون بشؤون المنطقة وبقضايا الإنسانية متعلقين بما يحدث في أبوظبي، وعلى هذا الأساس يكون افتتاح متحف اللوفر أبوظبي، ليس نهاية المطاف بل مؤشراً واضحاً على أن أبوظبي تقود عملية إصلاح الفكر الديني الإسلامي. فتوسع العاصمة في خلق مشروعات ثقافية متعددة يعني في المقابل توسعاً متزايداً في خلق مساحات مشتركة مع الآخر بعدما قام البعض بسلوكيات تضيق أفق التعامل وتبث في نفوس المختلفين مع سكان المنطقة النفور من المسلمين والعرب. ويتوقع الكثيرون أن ما تقوم به أبوظبي ستكون له تأثيرات إيجابية على دول الجوار وبالتالي فإن انتقال تلك الأفكار الإيجابية إلى دول أخرى في المنطقة أمر وارد، مع العلم أن مواقف دولة الإمارات الحضارية لا تصنع صورة إيجابية عن الدولة فقط ولكنها أيضاً تعزز من مكانة دعاة التسامح والانفتاح على الآخر في العالم العربي والإسلامي ويدعم القيم الإنسانية.

إن التخطيط للمستقبل هو الشاغل الحقيقي للقيادة السياسية لدولة الإمارات، وهو عمل يمكن تشبيهه بالسباحة ضد التيار السائد في المنطقة العربية، خاصة ممن اعتادوا على الاستكانة للوضع الثقافي الحالي أو الموجود وعدم مواجهته خوفاً من الاصطدام به. النقطة التي أريد أن أقولها هي أن أبوظبي أصبحت رقماً مهماً في الحفاظ على الإرث الإنساني، نتيجة للمتاحف المتوقع افتتاحها بالتدريج، وهي تتجه لأن تصبح أكثر أهمية في المجال الثقافي، وهذا أمر لا يمكن تجاهله خاصة في ظل الاهتمام العالمي بمشاريعها.

المشروعات الثقافية لدولة الإمارات في العاصمة أبوظبي تؤهلها لأن تكون قطباً إقليمياً في المجال الثقافي وربما منافساً لدول عريقة في هذا المجال. وإذا كانت قد رسخت موقعها السياسي والاقتصادي العالمي، فإن التركيز على صناعة المتاحف العالمية يرسخ سمعتها واحترامها ومحبتها لدى الرأي العالم العالمي، وهو رصيد مهم في مسألة القوة المستقبلية التي تنضج على نار هادئة، كما هو حال دول مثل الصين والهند.. إنها القوة الناعمة.