زياد الدريس

ما كان ليطفئ القلق الذي غشي السعوديين من الصاروخ الباليستي الذي أطلقته عصابات الحوثيين على العاصمة الرياض ليل السبت، إلا الطمأنينة التي أعقبت إطلاق الصاروخ الملكي على الفساد في الليلة نفسها.

الحزمة الصغيرة من القرارات التي صدرت تلك الليلة تضمنت قراراً واحداً بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد لمعالجة موضوع الفساد، والقرارات الأخرى تضمنت إعفاءات وتعيينات.

كالعادة، انجذب الناس وانشغلوا بقرارات الإعفاء والتعيين، هذا لماذا أُعفي وهذا لماذا تعيّن؟! ولم يعطوا اهتماماً مماثلاً لقرار تشكيل اللجنة ظناً منهم بأنها ستكون كسائر اللجان والمحاولات السابقة لمكافحة الفساد.

بعد دقائق من صدور القرارات بدأت تتسرب أخبار إيقاف أسماء كبيرة ومرموقة متهمة بقضايا تجاوزات مالية. اهتز الناس بالأخبار المذهلة، وتوقفوا عن نقاش الإعفاءات والتعيينات وذهبوا لمراجعة قرار تشكيل اللجنة العليا. بدا لهم أن القرار هذه المرة ليس لمكافحة الفساد بل لمحاربته.

لقي القرار السعودي غير المسبوق (عربياً على الأقل) اهتماماً وتفاعلاً تجاوز المستوى المحلي والإقليمي إلى الدولي. ليس فقط لأنه لم يُعهد عن الملكيات في العالم بأسره، باستثناء الملكيات الأوروبية واليابان، تدقيقها في أمور المحاسبة المالية، أو لأنه لم يُعهد عن الحكومات العربية (وجمهورياتها الملكية خصوصاً) محاربة الفساد بهذه القوة، ولكن لأن العالم بأسره، حتى المتمدن منه، بات يعاني أكثر فأكثر من الخروق المالية والتحايلات على النظام، خصوصاً بعد الجشع الرأسمالي الذي سيطر على العالم والناس.

المؤكد أنه لا يمكن دولة أن تنهض وتحقق أهدافها الإصلاحية والتنموية إذا كان الفساد ينخر في أوردة نظامها المالي. وقد شهدنا عدداً من الدول العربية التي حباها الله بالثروات، كما حبا الدول الخليجية، وعلى رغم هذا بقيت صحراء مقفرة لأن خيراتها تذهب إلى بيت واحد من الشعب!

لم تسلم من الفساد المالي الدول الغربية المعروفة بصرامة قوانينها الرقابية والمحاسبية، إذ تكاثرت الأخبار الأوروبية في السنوات الأخيرة عن كشف حالات فساد وسرقة واختلاسات في مشاريع وطنية كبرى، لكن ما يشفع لتلك الدول كي تحافظ على تقدّمها أمران: عزمها الدؤوب على تحجيم الفساد وإن استحال القضاء عليه تماماً، والثاني معاقبتها الصارمة لمن تثبت عليه جريمة الاختلاس من أموال الناس.

ما يجري في السعودية الآن، بتوجيه الملك وتنفيذ ولي العهد، هو مسار تصحيحي ومحاسبي فوق تصوّر الإنسان العربي الذي ألِف سماع «الضرب بيد من حديد على الفاسدين»، لكنه كان دوماً يرى الفساد يضرب بيد من حديد على نماء الوطن وحقوق الشعب.

محاربة الفساد هي الخطوة الأولى نحو الإصلاح.