عبدالله بن بخيت

دواد الشريان صديق قديم، زاملته في الجامعة، كان طالباً في قسم الإعلام كلية الآداب. أول لقاء لنا كان أثناء تدريبات مسرحية يشارك فيها. كان ممثلاً موهوباً أو هكذا بدا لي ولكن الصحوة لم تعطِنا الفرصة لاختباره. لم تثبطه الهزيمة الأولى. قدره دائماً النجاح فنجح في كل مكان وطأته قدماه.

جمال عبدالناصر زعيم كبير. سيطر على الوجدان العربي في حقبة الستينات. ما زال احترامه باقٍ في التاريخ وما زالت أيديولوجيته تلاقي كثيراً من الاحترام والإيمان أيضاً. امتلك إذاعة أسماها صوت العرب. تخلط الحقائق بالأكاذيب وتهيج الشعوب وتصنم الزعيم وتغرس أيديولوجيته. لا تختلف عن قناة الجزيرة إلا بالزمان والتقنية وميزانية الجزيرة الخيالية. لماذا نجح عبدالناصر في مسعاه وسقط حكام قطر في أول اختبار جدي.

مات جمال عبدالناصر مهزوماً محطماً فبكته الجماهير واختلق له المثقفون التبريرات. بعد سنوات طويلة مات القذافي وارث بيارق الوحدة العربية وزعيم أفريقيا فلم يجد له مكاناً في التاريخ فذهب إلى المقاطع الساخرة محتجاً بأعلى صوته (هذي آخرتها). استثمر عبدالناصر قدرات شعبه الإبداعية فسيطر على الوجدان العربي وأتكأ القذافي على نفطه ضارباً بشعبه عرض الحائط.

عندما أسس جمال عبدالناصر إذاعته الشهيرة لتمجيده وتمجيد عهده ومناهضة خصومه كان المبدع المصري قد سبقه إلى وجدان الشعوب العربية. كانت السينما المصرية في الصالات العربية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات المصورة حاضرة في كل بيت عربي.

ركب عبدالناصر اسمه وأيديولوجيته على هذه العربة الحضارية الضخمة. لم يكن عبدالناصر ليغزو القلوب والأفئدة بصوت العرب وحدها. استأجر معمر القذافي كل الأبواق التي تضاهي صوت العرب لتنادي به خليفة لعبدالناصر ولكنه انتهى وحيداً ذليلاً في مجرى سيل.

مسلسل تلفزيوني واحد كمسلسل رأفت الهجان لا تتعدى كلفته عشرة ملايين ريال كان يمكن أن يغني قطر والقذافي عن صرف مليارات الريالات على المرتزقة أو قناة الجزيرة.

هذا الكلام سبق أن قلته لمعالي وزير الثقافة ساعة تعيينه وأعيد اليوم ترديده على مسامع الأستاذ دواد الشريان.

الإعلام ليس إذاعة أو جريدة أو قناة تعرض منتجات الغير. الإعلام هو المنتج الإبداعي الوطني. الرواية والقصيدة والمسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي والأبطال الرياضيين. هو ذلك الجمال والإبداع والابتكار الذي تنتجه النخبة المتعلمة والمثقفة والمبدعة داخل الوطن. هذا يقودنا إلى الدور الذي يستطيع دواد الشريان أن يسهم به في مستقبل بلاده.

السعودية اليوم أكبر من حجم مصر الستينات. الدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة. لا تعوزها المواهب والقدرات بيد أن سوء الإدارة عرقلها كثيراً.

منصب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون يبدو تقنياً بيد أنه في حقيقته استراتيجي وخطير ومعقد. سيضع داود في أقصى درجات التحدي مع خصمين شديدي البأس. تعقيدات المنصب المالية والبيروقراطية والخصم الأخطر خصومه المتربصون الذين راكمهم في الثامنة، ضارعين إلى الله أن يروه إلى جانبهم في صفوف الفاشلين.