حسام عيتاني

الصيغة المقترحة لاستئناف التسوية في لبنان بين أجنحة الانقسام الأهلي، ستحكمها تسوية أكبر هي تلك التي تُعَد للصراع في سورية وعليها. بذلك سيعيد اللبنانيون اكتشاف هامشيتهم في إقليمهم وتأثرهم الفوري بما يجري وراء حدودهم ولو أدوا أدواراً كبيرة في الحروب على أراضي الآخرين.

ستقتصر آثار الاستقالة التي قدمها رئيس الوزراء سعد الحريري والتريث في المضي بها على تياره، الذي تراشق مسؤولوه وأعضاء مكتبه السياسي الاتهامات العلنية والمستترة عبر وسائل الإعلام بين بيانَي الاستقالة في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي و «التريث» في الثاني والعشرين منه. «الخروقات» داخل التيار التي تحدث عنها الحريري سيسدها الجانب المنتصر من المستقبليين، الذين يرون أن الخروج من التسوية مع رئيس الجمهورية ومع «حزب الله» سيدمر لبنان (ومصالحهم المشتركة مع وزراء التيار العوني وتقاسم عائدات النفط المنتظرة وغيره، وهذا –باختصار- معنى «لبنانـ»ـهم).

في المقابل، سيقدم «حزب الله» تنازلات شكلية للإبقاء على الجوهر السابق للتسوية. الحديث عن سحب الحزب خبراءه وكوادره من العراق ونفي أي علاقة بالصاروخ الحوثي الذي وجّه إلى الرياض مع وعود بعودة قواته من سورية بعد القضاء على «داعش» وحل مشكلة الأكراد (وهذه حرب جديدة سيخوضها الحزب لإسباب إيرانية)، سيخفف التوتر اللبناني الداخلي وسيسمح بالعودة إلى الأعمال التي أوقفتها الاستقالة، على الرغم من عدم امتلاك أي من المحتجين على تدخل الحزب في سورية والعراق واليمن أي وسيلة للتحقق من صدق ما يقول من أرسل مقاتليه إلى الخارج بأنه يعيدهم إلى لبنان.

يجري كل ذلك تحت مظلة الاتفاق الإيراني– التركي– الروسي الذي تُوضع تفاصيله الأخيرة بعد القمة الثلاثية أول من أمس وستُجبر الأطراف غير الموافقة على مضمونه على السير به، طوعاً أو غصباً. يفرض ذلك تقييم الأحزاب والتيارات اللبنانية أحجامها الحقيقية بالمقارنة مع الدول المُديرة للصراعات الخارجية.

بكلمات ثانية، ستعود «التسوية» إلى حيزها اللبناني بعدما ظهر أن موازين القوى اللبنانية وتماسك معارضي النفوذ الإيراني في لبنان، لا يسمحان بمواجهة حقيقية، سياسية أو مسلحة، مع مندوبي هذا النفوذ من دون أن ينهار المبنى على من فيه. تحويل لبنان ساحة صراع أولى لوقف التمدد الإيراني وقطع يده، بحسب ما جاء في بيان استقالة الحريري، غير ناجز الشروط بحدها الأدنى، ومنها استعداد الطرف السنّي اللبناني للتضحية في هذه المعركة المحسومة سلفاً لمصلحة «حزب الله»، الذي أجاد في الأعوام الماضية حياكة تحالفاته وإمساك المفاصل الرئيسة للحياة العامة في لبنان، فيما كان خصومه يتشاغلون في كيفية تحسين أنصبتهم، من صفقات معالجة النفايات والبطاقات الانتخابية الممغنطة وتركيب كاميرات مراقبة في شوارع العاصمة والاستيلاء على الأملاك العامة.

فقد كشفت الأزمة الأخيرة مدى هشاشة لبنان واحتكار جهة واحدة كفاءة الانخراط في الصراعات الإقليمية التي طالما كانت (هذه الكفاءة) سمة عامة تتشارك فيها الطوائف اللبنانية. ثمة قول يردده حكماء مواقع التواصل الاجتماعي يقول إن فشل المدافعين عن القضايا المحقة يتطلب تغيير المدافعين وليس تغيير القضايا. في الحالة اللبنانية الراهنة، قد يقتضي الأمر تغيير المدافعين والقضايا.
انتهت اذاً هذه الجولة من الأزمة اللبنانية المزمنة بمنتصرين ومهزومين، ولكل أن يصنف نفسه في المعسكر الذي يلائمه.