محمد آل الشيخ

يتكون مواطنو المملكة من مكوّنات متعددة، السنّة السلفية، الشيعة الجعفرية الإثني عشرية، الإسماعيلية، والسنّة الصوفية. وجميعهم دون استثناء مواطنون أصليون، يجمع بينهم رغم اختلاف عقائدهم، (المواطنة)، حيث تحت قبة الوطن تنتهي كل الانتماءات العقدية أو القبلية.

في الماضي، وقبل أن تتشكل الأوطان بصيغتها المعاصرة، كان انتماء الأفراد في كل بلدان العالم إما للمذهب العقدي، أو للانتماء القبلي، أو للانتماء الإثني، لذلك كانت الجغرافيا غالباً وليس دائماً ما تعكس إلى حد ما تجمّع الطائفة أو القبيلة أو الإثنية. وبظهور مفهوم الوطن، أصبح الانتماء الأول للوطن، الذي تنضوي تحته كل الطوائف والقبائل والإثنيات، وتحت سمائه تتعايش التكتلات الطائفية والإثنية بعضها مع بعض هو الانتماء الأول الجامع رغم كل الاختلافات؛ غير أنّ رواسب الانتماءات التقليدية الموروثة بقيت في الذاكرة الشعبية، قبل أن يتشكل الوطن كانتماء أول، يستظل به جميع المواطنين، مهما كانت توجهاتهم المذهبية أو العَقدية. ولا يمكن للإنسان المعاصر أن يبني وطناً حقيقياً، يتعايش فيه مواطنوه بسلام وفي أمن وأمان واستقرار، حتى يتفق أفراده على أن الانتماء للوطن فوق أي انتماء.

قد يبدو أن تحقيق هذه الغاية سهل، لكنها في تقديري من أصعب الغايات، وتحتاج لقناعة راسخة في وعي الأفراد كقيمة اجتماعية، كما تحتاج إلى تضافر جهود تعليمية في محاضن التعليم بجميع مراحله، وكذلك في منصات الإعلام المتاحة في المجتمع، لغرس الانتماء الوطني كانتماء أول لهوية الفرد، لا يعلو عليه أي انتماء.

ومن أهم العوائق التي تعيق تجذر وتكريس الهوية الوطنية، هو تحديداً الانتماء العقدي أو الطائفي، حيث يصر المتشددون الطائفيون على أنّ الأولوية العليا ليست للوطن وإنما هي للانتماء العقدي أو المذهبي, وللأسف فإنّ مقررات التعليم المدرسية قد غرست هذا التوجُّه في بدايات التعليم الابتدائي.

وقد عانت الدول الأوربية أشد المعاناة في القرون الوسطى من تقدم الانتماء الطائفي أو الإثني على أي انتماء، وتسببت هذه المفاهيم في حروب وقتال أودت بالملايين من الضحايا، ثم انتهوا إلى الاتفاق على مفهوم جامع للانتماء مؤداه (الدين لله والوطن للجميع)، فساد السلام، واستتب الأمن، وانطلقت من هذا المفهوم الحضارة المعاصرة، التي بلغت شأواً في خدمة الإنسان ورفاهيته وأمنه واستقراره، لم تبلغه حضارة قط على وجه الأرض.

لذلك فإنّ التنمية البشرية، التي يجب أن ترتكز عليها كل تفرعات التنمية الأخرى، منطلقها من هذا المفهوم الجامع، كما يجب أن تحظى هذه المفاهيم بحماية القوانين، على أساس أنّ إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو التعصب القبلي أو الإثني، ممارسة يعاقب عليها القانون.

وسنجد مع مرور الزمن، أن هذه النعرات الموروثة ستتضاءل شيئاً فشيئاً حتى تندثر تماماً، ليحل محلها الانتماء للوطن كقيمة انتمائية عليا. ونكون بذلك نمضي بخطى حثيثة في بناء المجتمع المدني، الذي أثبتت التجارب أنه الأس الأول الذي ترتكز عليه الدول المتفوقة حضارياً.