عمار علي حسن

لم تنتهِ الأزمة السورية رغم هزيمة «داعش»، وانكسار «الجيش الحر»، وانهيار «جبهة النصرة» وتمكن جيش النظام السوري من السيطرة على أغلب أرض الدولة، بمساعدة ظاهرة من روسيا وإيران، فآثار انتفاضة شعبية تحولت إلى حرب أهلية ثم صراع إقليمي ودولي، تخلق تحديات جسيمة أمام دمشق في المستقبل، وهي ليس بوسعها نكرانها في ظل خطاب رسمي مفعم بالتفاؤل. فهناك التحدي الذي سيمثله «المتطرفون الإسلاميون»، وهو لم يذهب بهزيمتهم في ميادين القتال، ولاسيما أن وظيفة هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية لم تنتهِ بعد لدى من يمولونها، ويوظفونها، ويفقون وراءها لتحقيق مصالحهم، التي لا تزال قائمة، كما أن عداءهم للنظام السوري لم يرحل بعد.

ولكن الأهم هو ما ستطلبه الدول التي ساعدت نظام الأسد على البقاء، وخصوصاً إيران وروسيا، فالأولى لا تدخل بلداً إلا وتغلغلت فيه، فارضة نفوذها الثقافي والسياسي، بل والمذهبي عليه، وهي مسألة كانت قد بدأتها في سوريا تدريجياً قبل اندلاع الثورة. أما الثانية فقد جاءت إلى الشام دفاعاً عن مصالحها الاقتصادية بالأساس، إذ إنها تعلم جيداً أن قطر كانت تخطط، بمساعدة تركيا، لمد أنبوب غاز عبر أراضي سوريا، بعد سيطرة «داعش» أو «النصرة» عليها وانهيار نظام الأسد تماماً، ليصل إلى البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا، الأمر الذي يلحق ضرراً بالغاً بمصالح الروس، الذين يمتلكون أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، وهم المصدر الأول لأوروبا في هذا الشأن.

فإيران، وكما هو متوقع، ستطلب من الأسد ثمن إنقاذه، في صيغة امتيازات أكثر لها تسمح ببناء مجتمع عميق في سوريا، على غرار ما جرى في العراق، بعد إطاحة حكم صدام حسين، وأما الروس فربما يطلبون قواعد عسكرية أكثر، وأفضلية في إعادة بناء الجيش السوري، وخاصة في مجالي التسليح والتدريب. وهذان تحديان ضاغطان من الخارج، إلى جانب تحديات أخرى تضغط من الداخل، أولها ما يتعلق بالحفاظ على الدولة، سواء من حيث وحدة ترابها الوطني، أو قدرتها على القيام بوظائفها الطبيعية في المستقبل. وهنا يبرز التحدي الثاني المرتبط بتطبيب آثار القتال، والحفاظ على التماسك الاجتماعي. والتحدي الثالث يرتبط بإعادة إعمار ما خربته الحرب الضروس، وإعادة ملايين السوريين ممن لجؤوا إلى بلدان مجاورة، دون تباطؤ في هذا، أو تمييز، من أجل أن تبقى سوريا دولة متعددة الأعراق والمذاهب والطبقات، كما كانت قبل 2011، على رغم استبداد السلطة السياسية.

وهناك تحدٍّ رابع يتمثل في استمرار الدور التقليدي لسوريا في الصراع العربي الإسرائيلي، على المنوال نفسه الذي كان قائماً، حين كانت دمشق تتحدث عن قيادة ما تطلق عليه «محور المقاومة». فمما لاشك فيه أن قدرات الجيش السوري قد تأثرت بهذا الصراع، وهي تحتاج إلى إعادة بناء في أسرع وقت، على الأقل لحماية الدولة السورية نفسها أمام أي أطماع إسرائيلية، أو رهن الإرادة السورية لطرف خارجي يفرض الحماية أو الوصاية، سواء كان روسيا أو إيران.

أما التحدي الخامس فهو عودة سوريا إلى العرب مثلما كان قائماً في الماضي. وهذه العودة تتطلب أن تحرر الإرادة السورية من تأثير أي طرف يضغط في اتجاه إضعاف التوجه والانتماء العربي لسوريا، وفي المقابل يتطلب هذا من الدول العربية أن تفعل كل ما عليها في سبيل الحفاظ على عروبة سوريا.