جيفري كمب

 يعود انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ليوم 8 نوفمبر 2016. وفيما جاء فوزه مفاجئاً لمعظم المراقبين والمحللين، فإن المراجعة المتأنية للأمور تثبت أنه كان يحمل رسالة للطبقة المتوسطة والعاملة أكثر انطواءً على الأمل من التي كانت ستحملها منافسته هيلاري كلينتون.

وعقب تولّيه منصبه رسمياً يوم 20 يناير 2017، كان الأمل الذي ينتظره الأميركيون والعالم منه أن يخفّض نبرته الخطابية، وأن يحاول الاهتمام بكل الأميركيين دون استثناء. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو. فقد بادر ترامب إلى تشكيل مجلس وزراء وطاقم مكمل من المسؤولين الذين سارعوا إلى التخلي الممنهج عن معظم الإصلاحات التي أنجزها سلفه باراك أوباما، خاصة ما يتعلق منها بسياسات الطاقة والبيئة والقضاء والتعليم والرعاية الصحية وإعادة ضبط الأسواق المالية في «وول ستريت» والبنوك الكبرى ذات العلاقة المباشرة بالأزمة المالية العالمية لعام 2008.

والآن، وبعد أن قضى ترامب ما يقارب العام في الحكم، توضح استطلاعات تقييم الأداء أنه الرئيس الأميركي الأخفض شعبية، رغم قوة الاقتصاد الأميركي وزيادة وظائف العمل الشاغرة وانخفاض معدلات البطالة والأرقام القياسية لأسعار الأسهم والسندات في الأسواق المالية الأميركية.

وتأتينا القرينة الأكثر وضوحاً على أدائه من خلال النتائج الهزيلة للانتخابات الولائية والبلدية المنظمة يوم 7 نوفمبر في فرجينيا، حيث حقق الديمقراطيون انتصارات كاسحة، خاصة في المناطق الشمالية الغنية من الولاية والتي تعدّ جزءاً مهماً من العاصمة الإدارية المهمة واشنطن. وكان أداء الديمقراطيين حسناً بشكل عام في أوساط الناخبين الشبان والأثرياء والمثقفين وخريجي الجامعات.

بيد أن ترامب ما زال يحتفظ بقاعدة شعبية عريضة، آثرت الإبقاء على تأييدها له دون انقطاع منذ حملته الانتخابية عام 2015 وبقيت على ولائها له بغض النظر عما دأب عليه من أقوال وأفعال تثير غضب شريحة واسعة من الأميركيين وأصدقاء أميركا في العالم.

والآن، يسعى ترامب والأعضاء الجمهوريون في الكونجرس إلى تمرير مشروع قانون الضرائب الجديد قبل نهاية العام الجاري حتى يظهروا للرأي العام بأن لهم إنجازاتهم التشريعية، بعد أن فشلوا في إبطال مشروع الرعاية الصحية الميسّرة «أوباماكير». والحقيقة التي تفيد بأن القانون الضريبي المقترح مصمم أصلاً لفائدة الأميركيين الأكثر ثراء، لم تجد صداها المنتظر في أوساط الرأي العام الأميركي، ولو تمت إجازته، فسوف يصبح الشغل الشاغل للسياسيين خلال العام المقبل الذي سيشهد تنظيم الانتخابات التشريعية النصفية.

وفيما يتعلق بالسياستين الخارجية والأمنية، سجل ترامب أداءً متناقضاً. ولا شك أنه يحظى بشعبية تفوق الشعبية التي حققها أوباما في معظم دول الشرق الأوسط، بالإضافة لروسيا. ورغم أن رؤساء آسيويين كباراً من أمثال الرئيس الصيني «تشي جينبينج» يفضلونه على أوباما، فإن استطلاعات الرأي في كوريا الجنوبية واليابان صنّفته في مرتبة متأخرة جداً عن المرتبة التي سبق أن بلغها أوباما. وهو غير محبوب في أوروبا عموماً، خاصة في بريطانيا وألمانيا، الحليفتان التقليديتان للولايات المتحدة.

وسوف يأتي الاختبار الأكثر أهمية لترامب لو تعرضت أميركا لأزمة كبرى يتطلب التعامل معها قيادة أميركية قوية ومحنكة. والآن، يٌعتبر التهديد الذي ينطوي عليه البرنامج النووي لكوريا الشمالية، التحدي الأكبر للولايات المتحدة وآسيا، لكن ميل ترامب لاستخدام لغة التهديد والوعيد إزاء رئيس كوريا الشمالية «كيم جونج أون» وممارساته الاستفزازية، من شأنه تعقيد الأزمة بدلاً من معالجتها.

وهناك اختبار آخر لترامب يتعلق بالمخاوف المترتبة على طبيعة العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا. ولقد أظهر ترامب حتى الآن قدرة عالية على تحمل السلوك الروسي في كل من أوروبا والشرق الأوسط. وهو يتجنب انتقاد فلاديمير بوتين للدرجة التي عزّزت الشكوك بأن يكون محتفظاً ببعض المآخذ على ترامب، وربما يتعلق الأمر بصفقات مالية قديمة. ولا تزال التحرّيات حول علاقة الحملة الانتخابية لترامب مع روسيا عام 2016، تشكل المادة الرئيسة لعناوين الصحافة الأميركية. والغالبية العظمى من الأعضاء الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب ما زالوا يظهرون مواقفهم العدائية لبوتين. ولو نشبت أزمة مفاجئة حول أوكرانيا أو دول بحر البلطيق، فلا شك أنهم سيضغطون على ترامب لاتخاذ موقف متصلّب ضد روسيا. وسوف تمثل هذه الأزمة أصعب تحدٍّ يتعرض له ترامب. وحتى الآن ليس ثمة مَن يمكنه توقع الطريقة التي سيتعامل بها ترامب مع هذه الأزمة. وربما تكون الشكوك المتعلقة بالكفاءة القيادية للرئيس ترامب كافية لإثارة المزيد من القلق لدى الأميركيين على أبواب السنة الثانية لولايته في البيت الأبيض.